فلما كانت سنة ثمان وتسعين سار قليج أرسلان بن قطلمش السلجوقي في عسكره، وقصد الرُها فكتب إليه نواب جكرمش بحران يستدعونه ليتسلم حران فوصل إليها وتسلمها، ثم عاد عنها، ولم تزل في يده إلى أن قُتل بعد أخذه للموصل في ذي القعدة سنة خمس مائة.
وولى ولده، فطمع الفرنج فيها، وساروا إليها وحاصروها فقصدها سكمان القطبي، صاحب أرمينية بجمع من التركمان فرحل الفرنج عنها، وسلمها لشرف الدين ممدود، صاحب الموصل، فأقطعها نجم الدين يلغازي بن أرتق. وذلك في سنة اثنتين وخمسمائة.
ولم تزل في أيدي نوابه إلى أن وصل السلطان محمد إلى بغداد فبلغه موت مودود فسيّر سنقر البرسقي إلى الموصل وتسلم جميع الأعمال التي كانت في يد ممدود بعد امتناعٍ من كافة من كان بها، وتوجه إلى حران، فخافه ممدود نائب إيلغازي المقيم بحران، وراسل الفرن الذين بالرُّها في وصولهم إليه، ليقصده بهم، فأحس رئيس حران جعفر بن أبي الفهم، وأهلها بالحال، فراسلوا البرسقي، يستحثونه في الوصول إليهم، فوصل إليها ملكها، ثم خرج منها، وضيق على أعمال إيلغازي، وذلك في سنة ثمان وخمس مائة.
ولم تزل في يد آق سنقر البرسقي إلى أن قصدها نجم الدين إيلغازي في سنة اثنتي عشرة. وقد كان نزل عليها عسكر أوبنا التركماني، فطرده عنها، وتسلمها، وقبض على رئيس البلد جعفر بن أبي الفهم وقطع عليه مالا وحمله إلى ماردين، ولم تزل نوابه بحران إلى أن توفي في سنة ست عشرة.
فقصد بُلُك بن بهرام بن أرنق حران فملكها في ربيع الأول من السنة، ولم تزل في يده إلى أن قتل في سنة ثمان عشرة على منبج فملكها تمرتاش، فسار إليها آق سنقر البرسقي فملكها مرة ثانية، ولم تزل في يده إلى أن قُتل في سنة عشرين وخمس مائة.
وتولى ولده عز الدين مسعود، ولم تزل حران في يد نواب مسعود إلى أن توفي في سنة إحدى وعشرين.
فولى السلطان محمود بن محمد بن ملكشاه عماد الدين زنكي الموصل وحران وحلب.
فأقطع حران سوتكين الكرجي فعصي فيها، فاستعادها منه، ولم تزل نواب عماد الدين بها إلى أن قُتل على قلعة جعبر سنة إحدى وأربعين.
فاستولى ولده سيف الدين غازي على ما كان في يده من بلاد الجزيرة ووليّ في حرَّان، ولم تزل في يد نوابه إلى أن توفي بالموصل في جمادى الأولى سنة أربع وأربعين.
وملك بعده أخوه قطب الدين ممدود ما كان في يده من البلاد، وولى في حران.
ثم اتفق " أن " أخاه نور الدين، صاحب حلب، لما مات سيف الدين سار إلى سنجار، فملكها، وجرت بينه وبين أخيه أمور أدت إلى الصلح، على أن يعيد سنجار إليه، ويعوضه عنها الرّحبة والرَّقة والرُّها.
ثم بعد انفصال هذا الصلح طلب منه حران، فنزل له عنها، فولى فيها من قِبله عبد الملك المقدَّم، فلم تزل في يده إلى أن وصل من الموصل زين الدين علي كوجك إلى حلب فأقبل عليه نور الدين وأعطاه ما يساوي مائتي ألف دينار، وأقطعه حران، وذلك يف سنة سبع وأربعين، ولم تزل في يد نائبه إلى أن استعادها نور الدين وأقطعها لأخيه نصير الدين أميران في سنة اثنتين وخمسين.
ولم تزل في يده إلى أن تغير عليه نور الدين، فسيّر عسكره إليه وحاصره، وضايقه إلى أن تسلمها في سنة أربع وخمسين.
ثم أقطعها زين الدين علي كوجك، فاستناب فيها خادما له يسمى قايماز، ولم تزل في يده إلى أن تسلمها منه قطب الدين ممدود، صاحب الموصل، واستمرت في يد نوابه إلى أن توفي سنة خمس وستين وخمس مائة.
ووليِّ ولده الصغير سيف الدين غازي بعهدٍ منه، وعدل عن ولده الأكبر عماد الدين زنكي، فسار نور الدين في سنة ست وستين إلى سنجار، فأخذها من أخيه أميران وسلمها لعماد الدين زنكي، وسار إلى الموصل، فتسلمها، ثم أنعم بها على ولد أخيه سيف الدين غازي، وأخذ منه حران وغيرها - فيما يأتي ذكره - فأقطعها، وقيل: استناب بها غلاما له يسمى قايماز الحراني، ولم تزل بيده إلى أن توفي نور الدين في شوال سنة تسع وستين. فسار سيف الدين غازي وقصد حران وحاصرها أياما، فامتنع قايماز من تسليمها فقاتله قتالا شديدا، فأطاعه على أن يكون له حران نائبا فيها، فأجابه، فلما نزل إليه قتله، وملك بلاد الجزيرة خلا الرقة ورأس العين وسنذكر تفصيل ذلك.
ولم تزل حران في يد نواب سيف الدين إلى أن توفي في سنة ست وسبعين وخمس مائة.