فملكها بعده ولده شبيب واستمر بها إلى أن توفي سنة إحدى وثلاثين، فملك حران بعده أخواه: مطاعن وقوام واستمر بها إلى أن أخرجها عنهما شرف الدولة مسلم بن قريش بخلف جرى فيها، وكان واليها من قبلهما: يحيى ابن الشاطر - أحد عبيد بني وثاب - واستولى على الجزيرة والموصل واستمرت حران في يده إلى أن عصي عليه أهلها في سنة ست وسبعين، وهو نازل على دمشق " وأطاعوا قاضيهم ابن جلبة، وأرادوا هم وابن عطر النميري تسليم البلد إلى جبق أمير التركمان " فلما بلغ ذلك شرف الدولة، رحل عن دمشق، وسار إلى حران فحاصرها، ورماها بالمنجنيق، حتى خرب من سورها بدنة، وفتح البلد في جمادى الأولى. وأخذ القاضي وابنين له فصلبهم على السور وصلب معهم مائة نفس، وقطع على البلد مائة ألف دينار. وكانت مدة عصيانهم نيفا وتسعين يوما.
ولم تزل حران في يده إلى أن قتل لست بقين من صفر سنة ثمان وسبعين وأربع مائة.
وولي بعده أخوه مؤيد الدولة إبراهيم وكان معتقلاً بقلعة سنجار، فأطلقه خادم كان لشرف الدولة يسمى: لؤلؤ. ما كان في يده من البلاد. ولم تزل في يده إلى أن وصل السلطان ملكشاه إلى الجزيرة قاصدا حلب في سنة تسع وسبعين وأربعمائة. نزل على حران فسلمها له ابن الشاطر - نائب إبراهيم بن قريش عليها - مع غيرها من البلاد، فأقطعها لمحمد بن شرف الدولة وسروج والرحبة وأقطع بزان الرها. وأقطع سالم بن مالك الرقة وقلعة جعبر. وأقطع إبراهيم بن قريش الموصل ونصيبين وسنجار.
وفي سنة اثنتين وثمانين تسلم بن جهير بأمر السلطان ما كان في يد إبراهيم بن قريش ويد ابن أخيه محمد وقبض عليهما وسيرهما إلى أصفهان فحبسهما فيها.
واستمرت البلاد في يد نواب السلطان، الملك المعظم، ملك شاه إلى أن مات في السادس عشر من شوال سنة خمس وثمانين.
وملك ابنه محمود فأطلق إبراهيم بن قريش وابن أخيه. فوصل إبراهيم إلى بلاده، وطرد ابن أخيه عن المملكة، واستولى على بلاده.
ولما ملك تاج الدولة الشام خرج من دمشق وسار إلى حران فتسلمها، وتسلم جميع ما كان في يد إبراهيم ابن قريش وذلك في سنة ست وثمانين وكسره كسرة عظيمة، وأسره وعمه مقبل. وقتلهما صبرا في ثاني عشر شهر ربيع الأول.
وأقطع حران عماد الدولة بزان وسار إلى البلاد: أرمينية وديار بكر فولى فيها حتى وصل إلى أذربيجان ففسخ عنه قسم الدولة آق سنقر وعماد الدولة بزان. وسار إلى بركياروق، وكان بالري فرجع منكفئا حتى قطع الفرات وصار إلى دمشق.
ولما وصل بزان وقسيم الدولة إلى بركياروق وطلباه أن يسير معهما إلى بلادهما حلب وحران والرها وضمنا له أن يكونا بينه وبين تاج الدولة، فسار معهما إلى الرحبة، وخالف بينهما وبين علي بن شرف الدولة وسار كل منهما إلى بلاده.
وعاد بركياروق إلى بغداد فخرج تاج الدولة من دمشق يريد حلب، فخرج إليه آق سنقر وبزان وكربغا وكان مقدم عسكر أنجد به بركياروق قسيم الدولة بعسكر فالتقوا به، فانكسروا. وأسر آق سنقر فقتل صبرا. وهرب بزان وكربغا إلى حلب، فقصدها وتسلمها.
وقبض على بزان فقتله صبرا، وحبس كربغا بقلعة حلب.
ثم سار حتى قطع الفرات، فتسلم حران والرها واستخلف على حران فراجا مملوكة، وتأتمر بها إلى أن قتل تاج الدولة في مصاف كان بينه وبين بركياروق على الري.
وتولى ولده رضوان حلبه، وولده دقاق دمشق فعصي قراجا علي رضوان. ولم تزل في يده إلى أن أفرج رضوان عن كربغا بأمر السلطان ركن الدين بركياروق في سنة تسع وثمانين فقصد حران وملكها، وأقر قراجا فيها، وسار إلى الموصل، فلما كانت سنة ست وتسعين خرج قراجا للقاء الفرنج، واستخلف على حران محمد الأصفهاني فعصي بها على قراجا باتفاق من أهلها، وقبض على غلمان قراجا خلا مملوك يعرف بجاولي فجعله مقدم جنده، وأنس به، فجلس معه يوما للشرب، وقد اتفق مع خادم على قتله، فقتلاه، وهو سكران. فبلغ الفرنج ذلك، فسارواحتى نزلوا على حمران.
واتفق معين الدين سقمان بن أرتق، وشمس الدولة جكرمش وكان بينهما خُلفٌ على دفع الفرنج عن حران، فسارا إليها، والتقيا بالفرنج على البليخ، فكسرا عسكرهم، واستولى جكرمش على حران، وذلك في سنة سبع وتسعين.