ولم تزل في يده إلى أن خرج عليها الملك المغيث في آخر سنة خمس وخمسين وستمائة، منابذاً لطاعة الملك الناصر، وولى فيها فخرج عليها عسكر الملك الناصر، فهزموه، وصعد إلى الكرك وولى فيها.
وبقيت في يد نوابه إلى ان انحازت البحرية والشهرزورية لصاحب الكرك وخرج بهم إلى نابلس، فاستولى عليها وولى عليها وذلك في سنة سبع وخمسين، فخرج عليهم الملك الناصر بعسكره فهزمهم عنها.
وبقيت في يده إلى أن استولت التتر على البلاد الشامية فخرج إليها الملك الظاهر أخو الملك الناصر من دمشق منابذاً طاعة أخيه فاستولى عليها، ثم خرج السلطان الملك الناصر من دمشق إلها ورتب فيها عسكراً، وقدم عليه مجير الدين ابن أبي زكري، فوصل عليها كشلو خان مقدم التتر فقتل ابن أبي زكري ونور الدين الأكتع وابن درباس وغيرهم من المراء الذين كانوا في العسكر، ثم أخذوها وبقيت في أيديهم إلى أن كسرهم الملك المظفر في شهر رمضان سنة ثمان وخمسين وستمائة. واسترجع منهم البلاد، ثم قتل - رحمه الله - في بقية السنة.
وصارت البلاد إلى مولانا السلطان الملك الظاهر فولى فيه عشر نابلس نوابه فيه، إلى عصرنا الذي وضعنا فيه هذا الكتاب.
وكانت مدينة على سيف البحر، حصينة، منيعة، لها ربض كبير.
البلاذري: " وولّى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يزيد بن أبي سفيان فلسطين مع ما ولاه من أجناد الشام. وكتب أليه يأمره بغزوة قيسارية، وقد كانت حُصرت قبل ذلك فنهض إليها في سبعة عشر ألفاً، فقاتله أهلها فمرض، وعاد إلى دمشق. واستخلف عليها أخاه معاوية " بن أبي سفيان ففتحها، وكتب إليه بفتحها، فكتب به يزيد إلى عمر. وللما توفي يزيد بن أبي سفيان كتب عمر إلى معاوية " بتوليته على ما كان يتولاه يزيد فشكر أبو سفيان ذلك لعمر. وقال: وصلتكم رحمٌ ".
فحاصرها معاوية حتى فتحها في شوال سنة تسع عشرة قسراً، وبعث بفتحها تميم بن زرقاء عريف خثعم إلى عمر - رضي الله عنه - فقام عمر على المنبر ونادى في الناس ألا إن قسارية قد فتحت.
ولما فتحت وجد بها من المرتزقة سبعمائة ألف، ومن السامرة ثلاثون ألفاً ومن اليهود مائتا ألف ووجد فيها ثلاثمائة سوق قائمة كلها، وكان يحرسها في كل ليلة على سورها مائة ألف. وحوصرت سبع سنين إلا شهراً واحداً.
وقال أيضاً عمن حدثه: إن الروم خرجت في أيام ابن الزبير إلى قيسارية، فشعشها، وهدمت مسجدها الجامع، فلما استقام لعبد الملك " بن مروان " الأمر رمّ قيسارية، وبنى مسجدها وشحنها بالرجال.
ولم تزل يليها من جند فلسطين إلى أن أخذها الفرنج سنة أربع وتسعين وأربعمائة بالسيف، وقتلوا من فيها من الرجال.
ولم تزل بأيديهم إلى أن أخذها منهم الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب على يد بدر الدين دلدرم الياروقي وعون الدين قليج في سنة ثلاث وثمانين. واستمرت في يده إلى أن خرجت عنه في البلاد التي وقعت عليها الهدنة فيما بينه وبين الفرنج في سنة ثمان وثمانين.
واستمرت في أيديهم إلى كسر عسكر ريد افرنس على دمياط في سنة سبع وأربعين وستمائة وأسر، ثم أطلق، فنزل الساحل، وعمر قيسارية وشيدها وحصنها.
ولم تزل في أيديهم إلى أن ملك مولانا الملك الظاهر البلاد، قصدها ونازلها، وحاصرها حتى فتحها فتحا عنوة سنة ثلاث وستين وستمائة، وخرّبها حتى لم يدع لها أثراً.
طولها سبع وستين درجة، وعرضها اثنتان وثلاثون درجة وخمس دقائق.
ليس لها في الفتوح العُمري ذكر، ولا فيما وقفت عليه من الكتب المؤلفة في صدر الإسلام.
وأول ما أحاط به علمي من أمرها أن الفرنج تسلَّموها في سنة أربع وتسعين وأربعمائة بالأمان، ولم تزل في أيديهم إلى أن فتحها الملك الناصر صلاح الدين يوسف بن أيوب في جمادى الأولى سنة ثلاث وثمانين وخمسمائة.
ولم تزل في يده إلى أن دخلت في البلاد التي وقعت الهدنة عليها بينه وبين الفرنج في سنة ثمان وثمانين.
ولم تزل بأيديهم إلى أن كُسر ريد افرنس على دمياط، وأسر في سنة سبع وأربعين وستمائة، ثم أطلق، في سنة ثمان ونزل الساحل فعمر قيسارسة - كما قلنا - وأرسوف، وحصنها، وشيدها.