{قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا} وأنى هذا: جملة من مبتدأ وخبر، وهي في موضع نصب على أنها معمولة لقوله: قلتم. قالوا ذلك على سبيل التعجب والإنكار لما أصابهم، والمعنى: كيف أصابنا هذا ونحن نقاتل أعداء الله، وقد وعدنا بالنصر وإمداد الملائكة؟ فاستفهموا على سبيل التعجب عن ذلك. وأنى سؤال عن الحال هنا، ولا يناسب أن يكون هنا بمعنى أين أو متى، لأنّ الاستفهام لم يقع عن المكان ولا عن الزمان هنا، إنما الاستفهام وقع عن الحالة التي اقتضت لهم ذلك، سألوا عنها على سبيل التعجب. وقال الزمخشري: أنى هذا من أين هذا، كقوله: «أنى لك هذا» لقوله: «من عند أنفسكم» وقوله: «من عند الله» انتهى كلامه. والظرف إذا وقع خبر للمبتدأ ألا يقدر داخلاً عليه حرف جر غير في، أما أنْ يقدَّر داخلاً عليه مِنْ فلا، لأنه إنما انتصب على إسقاط في. ولك إذا أضمر الظرف تعدى إليه الفعل بوساطة في ألاّ أن يتسع في الفعل فينصبه نصب التشبيه بالمفعول به، فتقدير الزمخشري: أنى هذا، من أين هذا تقدير غير سائغ، واستدلاله على هذا التقدير بقوله: من عند أنفسكم، وقوله: من عند الله، وقوف مع مطابقة الجواب للسؤال في اللفظ، وذهول عن هذه القاعدة التي ذكرناها. وأمّا على ما قررناه، فإنّ الجواب جاء على مراعاة المعنى، لا على مطابقة الجواب للسؤال في اللفظ. وقد تقرر في علم العربية أن الجواب يأتي على حسب السؤال مطابقاً له في اللفظ، ومراعي فيه المعنى لا اللفظ. والسؤال بأبي سؤال عن تعيين كيفية حصول هذا الأمر، والجواب بقوله: من عند أنفسكم يتضمن تعيين الكيفية، لأنه بتعيين السبب تتعين الكيفية من حيث المعنى. لو قيل على سبيل التعجب والإنكار: كيف لا يحج زيد الصالح، وأجيب ذلك بأن يقال: بعدم استطاعته حصل الجواب وانتظم من المعنى، أنه لا يحج وهو غير مستطيع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015