فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} (الأعراف: 175، 176).
انظر إلى هذه السورة وما فيها من تحقير وتقذير لهذا الذي ينسلخ ويترك ما رزقه الله من العلم والمعرفة، وهذه الحركة الدائبة في وضعه، فهي في تثبيت المعنى المراد أشد وأقوى، وهذا المنظر الذي تراه من الصورة التي رسمت للكلب: {إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ}، فهو على كل حال مضطرب فزِع خائف، سواء أمنته أو سواء أرهبته، في الحالين هو يلهث بهذه الصورة المقززة الحقيرة.
وصورة أخرى لمعنى آخر، وهو معنى من تتزعزع عقيدته، يعني إنسان ليس على يقين، وليس على ثبات من أمر الله -سبحانه وتعالى، فهو كما يُقال: إذا الريح مالت مال حيث تميل، في هذه الصورة يقول الله -سبحانه وتعالى-: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ} (الحج: 11)، هنا الخيال يجسّم هذا الحرف، الحرف الجبل، الذي يعبد الله عليه هذا البعض من الناس، وإنه ليكاد يتخيل الاضطراب الحسي في وقفتهم، وهم يتأرجحون بين الثبات والانقلاب، وإن هذه الصورة لترسم حالة التزعزع بأوضح ما يؤديه وصف التزعزع؛ لأنها تنطبع في الحس وتتصل منه بالنفس، انظر إلى هذه الصورة وما استطاعت أن توصله إليك من بيان حال هذا الذي يشك والذي لا يثبت على شيء وعقيدته مضطربة مهتزة؛ يعبد الله على الأحوال التي تصيبه، فتارة يطمئن وتارة يضطرب، كحال من يتعبد على جبل مرتفع.