ينتقل بعد ذلك لرسم صور للإنسان بشخصه، وهذه الصورة تكون واضحة لمن ينظر فيها، صورة بسيطة، أنا لا أريد أيضًا أن أسهب في ذكر هذه الصور لأن لنا وقفة مع صور يوم القيامة ومشاهد يوم القيامة في القرآن الكريم، وكيف صوّرها القرآن لأهل الإيمان.
هذه صورة لإنسان ضعيف العقيدة، ضعيف العزيمة، مستور الحال، لا يتبين ضعفه في فترة الرخاء، فإذا جدّ الأمر وجاءت الشدة ظهر هذا الضعف على أتمّه، هذه الصورة يصورها القرآن في قوله تعالى: {وَيَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا لَوْلَا نُزِّلَتْ سُورَةٌ فَإِذَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتَالُ رَأَيْتَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ} (محمد: 20).
انظر لهذه الصورة التي يعرفها كلّ منا من حال من يُغشى عليه من الموت وما يُرى على وجهه من شحابة ومن خوف وفزع واضطراب يصيبه، هذا حالهم عندما ينزل أمر الله -عز وجل- بالجهاد والقتال؛ {يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ الْمَغْشِيِّ عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ}، صورة تبرز في الضمير مصحوبة بالسخرية والتحقير، وهذه صورة من الصور العظيمة التي صوّرها القرآن لحادثٍ حدث في عهد النبي -صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
ويكفي أهل الإيمان أن ينظروا في الآيات ليتبينوا هذا المنظر وكأنهم يرونه رأي العين، وكيف استطاع القرآن أن يصف هذا المنظر بهذه الصورة الفنية الرائعة، وهي حادثة الأحزاب، وما كان في أمر هذه الغزوة؛ يتحدث المولى -سبحانه وتعالى- عن الهزيمة فيرسم مشهدًا كاملًا تبرز فيه الحركات الظاهرة والانفعالات المضمرة، وتلتقي فيه الصورة الحسية بالصورة النفسية، وكأنما الحادث معروض من جديد دون أن يُغفل منه قليل أو كثير: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا *