الإعجاز وأوضح في قطع الأعذار، هذا كلام الله -سبحانه وتعالى-: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيّ} (فصلت: 44) فهم لو جاءهم الكتاب على غير لغة العرب لكان ذلك أدعى للبس عليهم ولقالوا: لا نفهمه ولا نعرفه!! إنما القرآن جاء على لغتهم ليكون أدعى في الإعجاز كيف ذلك؟ اللغة فيها العام والخاص، يقول الشيخ: وذلك أن اللغة فيها العام والخاص والمطلق والمقيد والمجمل والمبين، وفيها العبارة والإشارة والفحوة والإيماء، وفيها الخبر والإنشاء وفيها الجمل الاسمية والفعلية، وفيها النفي والإثبات وفيها الحقيقة والمجاز، وفيها الإطناب والإيجاز، وفيها الذكر والحذف وفيها الابتداء والعطف وفيها التعريف والتنكير وفيها التقديم والتأخير، ومن كل هذه المسالك ينفذ الناس إلى أغراضهم، غير ناكبين بوضع منها عن أوضاع اللغة جملةً، بل هم في شعابها يتفرقون وعند حدودها يلتقون.
بيد أنه ليس شيء من هذه المسالك بالذي يَجمُل في كل موطن، وليس شيء منها بالذي يقبح في كل موطن، إذًا لهان الأمر على طالبه ولأصبحت البلاغة في لسان الناس طعمًا واحدًا وفي سمعهم نغمة واحدة، فإن الطريق الواحد قد يبلغك مأمنك حينًا ويقصر بك عن غايتك حينًا آخر، ورب كلمة تراها في موضع ما كالخرزة الضائعة، ثم تراها بعينها في موضع آخر كالدرة اللامعة، فالشأن إذًا في اختيار هذه الطرق؛ أيها أحق بأن يسلك في غرض غرض وأيها أقرب توصيلًا إلى مقصد مقصد.
إذًا الجديد في لغة القرآن أنه في كل شأن يتناوله من شئون القول يتخير له أشرف المواد وأمسها رحمًا بالمعنى المراد، وأجمعها وأمسها رحمًا بالمعنى المراد،