لإطالة الكلام بأيتها، وجاءت كلمة "ابلعي" هنا مصوّرة لما يراد أن تصنعه الأرض بمائها وهو أن تبتلعه في سرعة، فهي هنا أفضل من امتصي مثلا؛ لأنها لا تدل على الإسراع في التشرب، وفي إضافة الماء إليها ما يُوحي بأنها جديرة بأن تمتص ماءً هو ماؤها.
انظر رحمك الله: ابلعي ماءكِ، ابلعي ماءكِ!! وإضافة الماء إلى الكاف -كاف الخطاب- توضح أنها تبلع شيئًا هو لها، فيكون ذلك أسرع ويكون ذلك أبين للمراد، فكأنها لم تتكلف شيئًا من الأمر، وقل مثل ذلك في قوله تعالى: "ويا سماء أقلعي" ولاحظ هذا التنافس الموسيقي بين ابلعي وأقلعي، وبُني غيض للمجهول مصورا بذلك إحساس من شاهدوا هذا المنظر الطبيعي، فهم قد رأوا الماء يغيض والأمر يتم، وكأنما قد حدث ذلك من تلقاء نفسه من غير أن يكون ثمة فاعل قد فعل، واختيرت كلمة "استوت" دون رست -مثلا- لما في كلمة استوى من الدلالة على الثبات والاستقرار وبني الفعل قيل للمجهول إشارة إلى أن هذا القول قد صدر ممن لا يعد كثرة؛ يعني كأنما قال هذا القول أكثر من مصدر، حتى لكأن أرجاء الكون تردد هذا الدعاء؛ بعدا للقوم الظالمين، فجاءت كلمة بعدا دون هلاكا، مثلا إشارة إلى أن هلاك هؤلاء القوم الظالمين إنما قصد به إبعادهم عن الفساد في الأرض والسخرية بمن آمن وعمل صالحًا، وأوثر المجيء بالموصوف هنا لأنه لا يراد الدعاء على الظالمين لاتصافهم بالظلم، وإنما يراد الدعاء على هؤلاء القوم بالبعد لاتصافهم بالظلم، فالمقام هنا مقام حديث عن قوم ظلموا أنفسهم فاستحقوا لذلك أن يُتخلص منهم.
فانظر رحمك الله إلى النسق القرآني البديع في هذه الآية، وتوضيح مراد الله -عز وجل- في تصوير هذه السورة الرائعة بهذه الألفاظ التي لا نستطيع أن نأتي بكلمة مكان كلمة أو