المسلك في الآية الكريمة رأينا الآية تصور ما حدث بعد الطوفان من ابتلاع الأرض ماءها ونقاء السماء بعد أن كانت تغطَّى بسحبها واستواء السفينة على الجودي الجبل المعروف، وقد طهرت الأرض من رجس المشركين، فصوّر الله ذلك تصويرًا حسيًّا يؤكد في نفسك استجابة هذه الطبيعة العظيمة وخضوعها لأمر الله، فهذا المطر المدرار ينهمر من السماء، وهذا الماء الطاغي يجتاح نواحي الأرض، وهذا الاضطراب في أرجاء الكون لم يلبث أن سكن واستقر وعادت الطبيعة إلى هدوئها عندما تلقت أمر الله لها أن تسكن وتهدأ، ولكن لما كان هذا الأمر قد صدر إلى الكون من غير أن يسمعه من في الكون أو يروا قائله بُني الفعل للمجهول كما ترى، وأوثر في نداء الأرض "يا" دون الهمزة.
يبدأ هنا الشيخ دكتور أحمد بدوي في ذكره تحليل الآية في كتابه (من بلاغة القرآن) يبدأ معنا -أبنائي الكرام- أن يبين سر الإعجاز في نظم الآية باختيار شيء دون غيره، بمعنى قال الله -سبحانه وتعالى-: "وقيل" لم يقل وقلت أو وقال، إنما قال "قيل" قيل بصيغة البناء للمجهول، وقال الله -سبحانه وتعالى-: "يا أرض" ولم يقل أأرض بنداء بالهمزة مثلا أو أيا أرض بالنداء بـ أيا من غيرها من أدوات النداء، فاستخدمت "يا" بمعنى، يبدأ الشيخ في توضيح قيمة استعمال أداة بدلا من سواها، فقول الله -سبحانه وتعالى-: "قيل" صيغة البناء للمجهول واستخدام حرف النداء يا، يدعو بدلًَا من الهمزة؛ لأن اجتماع الهمزة في همزة النداء مع همزة كلمة أرض يؤدي إلى ثقل على اللسان في النطق فيهما، فيقال أأرض يكون فيها نوع من الثقل!! وفضلت كذلك على أيا لما في هذه من زيادة تنبيه ليست الأرض، وهي رهن أمر الله في حاجة إليه، وأوثر تنكير الأرض لما في ذلك من تصغير أمرها؛ يعني لم يقل يا أيتها الأرض، فقال الله -سبحانه وتعالى-: "يا أرض" فإن أمرها صغير وإن أمرها واضح في أنها رهن أمر الله -سبحانه وتعالى، فالمقام هنا يستدعي ذلك التصغير ويستدعي الإسراع بتلبية الأمر، وذلك لا يكون مع التعريف المقتضي