السياق الغريب، ويرمز في خفاء إلى حاجتهم، وهو نسيان يوسف، وإبعاده عن قلب أبيهم الذي ضاق بهم، وتولى عنهم من أجل يوسف -عليه السلام-.
هذا اجتهاد من الشيخ ذكره، وذكر نظيره في حذف حرف النداء في السورة نفسها في قول العزيز: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} (يوسف: 29) فأراد بقوله: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} اكتم هذا الأمرَ ولا تتحدث به؛ صيانةً لعِرضنا وشرفنا في قومنا، ثم قال لامرأته: {اسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} وكان رجلًا حليمًا، وقيل: كان قليلَ الغيرة. والشاهد في حذف حرف النداء أنه يرمز برمز لطيف، فكأنه يهمس بهذا الخبر في أذن يوسف -عليه السلام- محاذِرًا أن يسمعه أحد، ثم فيه تقريب وملاطفة ليوسف -عليه السلام- وإيماء خفي بأن الخبر كله يجب أن يضمرَ في السرائر، وأن لا يجري به لسان.
هذا الاجتهاد الذي ذكره الشيخ في حذف جزء من الكلمة واستدل له من القرآن بحذف الحرف، هذا لأنه ليس في القرآن مثل ما ذكر من أمثلة من كلمة "الَمَنا" بدل "المنازل"، وما ورد في الحديث: ((شاه)) بدلًا من "شاهدًا"؛ لأن هذا بهذه الصورة لم يرد في القرآن، ولكني أرى أن الشيخ كان يستطيع أن يستدل في هذا المقام بحذف نون "كان": "لم أك، ولم أكن" مع استخدامها في كتاب الله -سبحانه وتعالى-.
وقد تنبه بعض الباحثين لذلك، فذكر الفرقَ بين إثبات النون وحذفها ذِكرًا بلاغيًّا على خلاف ما يذكره النحاة من جواز ذلك إذا ما كان الفعل مجزومًا، ووليه متحرك ولم يلِه ساكن، فإنه يجوز حذف النون وإثباتُها، فهذا مقام النحاة. أما مقام البلاغيين فهو بيان الفروق في استخدامها في موضع وحذفها في موضع آخر.
الحديث عن حذف الكلمة: