لأنه ظلَمَ الكلمة بحذف أكثر من حرف، ويمكننا أن نقول: إن الحذف في كلمة "المنازل" التي يتحدث عن دروسها، وتغيير معالمها، مناسب؛ لأنها بقيت آثارًا، وكأن الحذف فيه إشارة إلى المضمون الذي يريده بيانه، وهو أن المنازل بقايا لا يُستدل عليها إلا بالقرائن والشواهد.
وننتقل إلى استشهاده بآية كريمة في كتاب الله، وهي قوله تعالى: {قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ} (يوسف: 85) هنا في هذه الآية يستدل الشيخ على ما نص عليه النحاة، من أن هناك حرف نفي محذوف لإعمال: {تَفْتَأُ}، فهي من أخوات كان التي تعمل بشرط أن تسبق بنفي أو شبه نفي، فالتقدير: تالله لا تفتأ تذكر يوسفَ حتى تكون حَرَضًا، والحَرض ما لا يُعتد به، فذكر الشيخ كلام ابن أبي الإصبع أنه -سبحانه وتعالى- أتى بأغرب ألفاظ القسم بالنسبة إلى أخواتها، فإن "والله" و"بالله" أكثر استعمالًا وأعرفُ عند الكافة من "تالله" فلما كان الفعل الذي جاور القَسَم أغربَ الصيغ التي في بابه، فإن كان وأخواتها أكثر استعمالًا من "تفتأ" وأعرف عند الكافة، ولذلك أتى بعدها بأغرب ألفاظ الهلاك، وهي لفظة الحَرَض.
فهنا مهد بكلامه بذكر هذه المقالة عن أبي الأصبع، بأنه ذكر أن هذه الاية توافقت سياقيًّا بذكر الأشياء الغريبة، فذُكرت "تالله" وذكرت "تفتأ" من أخوات كان، وذكرت كلمة: {حَرَضًا} الدالة على الهلاك والفناء، وهذا السياق تزاحمت فيه كلماتٌ غريبةٌ تشيع جو الغرابة والوحشة لمناسبة مقصودهم الذي يريدون حملَ أبيهم عليه، فَهُم يريدون أن ينسى يعقوب -عليه السلام- ولدَه، وليس في الغرائب أغرب من هذا، وحَذْف حرف النفي وهو خلاف الأصل يأتي متلائمًا مع هذا