الكلام وأمسك عن تمامه، وكذلك أشار إلى ما ذكره الأخفش عندما سئل عن قوله تعالى: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِي} (الفجر: 4) فسئل عن حذف حرف العلة من غير وجود أداة جزم، فقال الأخفش: عادة العرب أنها إذا عَدَلت بالشيء عن معناه نقصت حروفه، والليل لما كان لا يسري وإنما يُسرَى فيه، نقص منه حرف، كما قال تعالى: {وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} (مريم: 28) فالأصل "بَغيةً" فلما حول عن فاعل نقص منه حرف.
وبعد ذلك بدأ يستدل الشيخ ببعض الأشياء التي وردت في أشعار العرب وفصيحِ كلامهم، واستدل بآيات من القرآن الكريم اجتهد في بيان سر الحذف فيها، وذلك -كما هو معلوم- فيه اعتماد على ما ذكره المفسرون، بأنه نستطيع أن نقول -موافقةً للشيخ- أن المفسرين يوجد في كلامهم أكثر مما في كتب البلاغة في هذا الشأن؛ لاتصالهم بكتاب الله، ولتطبيقهم العملي على آيات الذكر الحكيم.
مما ذكره من شواهدهم قول النجاشي:
فلست بآتيه ولا أستطيعه ولاك ... اسقِني إن كان ماؤك ذا فَضْل
ففي قوله: "ولاك اسقِني" يعني بحذف النون، ولم يقل: ولكن اسقيني، قال: إن هذا الحذف في هذا البيت يوضح شيئًا جميلًا، وهو أن الذئب الذي على لسانه هذه العبارة، كان في حالة من التعب والإعياء، أنه لا يستطيع أن يكمل كلامه.
وكذلك ذكر مثالًا من قولهم، قول لبيد -رضي الله عنه-:
دَرَسَ المنا بِمُتالع فأبانِ ... ....................................
فقال: الأصل أنه يريد: درس المنازل، فحذف الزاي واللام من الكلمة، فعندما يذكر النحاة والبلاغيون هذا البيت يذكرونه أنه من الحذف الشاذ والضرورة؛