أما الوجه الثاني والثالث: فإن المفسر أقدر فيهما من العالم بالواقعة الكونية أو التجريبية، ويمكنه معرفة صحة دلالة اللغة على تلك الواقعة، أو عدم مناقضتها للشرع، وأضرب على ذلك مثالين موجزين لضيق المقام:
الأول: من فسَّر الذرة في مثل قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ *وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8]. بأنها الذرَّة الإلكترونية، وذلك غير معروف في لغة العرب، فلا يصح التفسير بها.
الثاني: من فسَّر قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا} [نوح: 14] بأنها الأطوار الداروينية في نظرية النشوء والارتقاء، وتلك النظرية مصادمة للشرع، وهي باطلة مردودة.
ثانياً: أن لا تناقض قول السلف (الصحابة والتابعين وأتباعهم):
وقد مضت الإشارة إلى تفصيل القول في ذلك، وأنَّ المناقضة إنما تكون في ردِّ ما اتفقوا عليه، أو ردِّ جميع تفسيراتهم؛ لأنَّ من لوازم ذلك أن يكون في القرآن شيء من معانيه جهِله المسلمون منذ عهد الصحابة إلى وقت ظهورِ هذه القضية العلمية، واكتشافِ وجه ارتباطها بمعنى الآية، وهذا لازم باطل بلا ريب، والقول بجهل السابقين بمعنى الآية مطلقاً يدل على وجود خلل في تنظير القضية.
والصواب في ذلك: أن يُقبل ما قاله السلف، ويضاف إلى أقوالهم ما تحتمله الآية من المعاني الصحيحة التي يحتملها السياق.
ثالثاً: أن تحتمل الآية القضية المفسَّر بها:
إن الملاحظ أنَّ من يتوجه إلى بيان القرآن بالمكتشفات المعاصرة يحرص على ربط بعض تلك المكتشَفات بالقرآن، ويقع الخلل عنده في الربط.