فقد تكون القضية التي ثبتت في المكتشفات صحيحة لا ريب فيها، ولكن الآية لها دلالة عند السلف لا توافق تلك القضية المكتشفة، فيأتي من يعتني بهذا الأسلوب، فيجعل الآية تدلُّ على ما ثبت في الاكتشاف المعاصر، وقد تكون الآية لا تدلُّ عليه، فهل يدلُّ قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأنعام: 125] على ما اكتُشِف حديثاً من أنَّ الإنسان إذا صعد في طبقات الجو العليا يضيق تنفسه بسبب قِلَّة الأكسجين؟

ذلك ما يحتاج إلى تحرير، لأنَّ القضية التي اكتُشِفت قضية كونية صحيحة، والآية لها دلالة، فهل من دلالاتها هذه القضية؟

وأقول: إنَّ كثيراً من القضايا التي رُبِطت بالقرآن تكون قد ثبتت علميّاً، لكن الأمر هنا في صحة دلالة القرآن عليها، والله أعلم.

والنتيجة في مثل هذه: أن تكون القضية المكتشفة صحيحة، ولا تناقض تفسير السلف، لكن الآية لا تحتملها ولا تدل عليها.

وهذه المسألة ـ وهي صحة دلالة الآية على المكتشفات العلمية ـ هي محور الخلاف، ومحل النِّزاع الذي يحتاج إلى تحرير؛ إذ الأقوال الباطلة المبنية على علم باطل لا يدلُّ عليها القرآن قطعاً.

رابعاً: أن لا يُقصر معنى الآية على هذا التفسير المعاصر:

هذا الضابط يتداخل مع الضابط الثاني، وهو أن لا يناقض قول السلف، وإنما أُفردَ للتنبيه على أنه قد يُفهم من عرض المكتشفات العلمية دون الأقوال الأخرى المحتملة؛ أن الآية لا تدلُّ إلا على هذا التفسير الحادث دون ما سواه، وعلى هذا فهو ضابطٌ احترازيٌّ يحسن بمن يتعرَّض للتفسير أن يتنبَّه له، وأن يذكر ـ ولو على سبيل الإجمال دون

طور بواسطة نورين ميديا © 2015