جَارِيًا عَلَى مُقْتَضَى الْأَدِلَّةِ وَعَمَلِ السَّلَفِ الصَّالِحِ رضي الله عنهم.
وَالْجَوَابُ: أَن مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَدلة النَّهْيِ صحيح صريح، وما نُقل عن الأوَّلين من الإيغال (?) يَحْتَمِلُ ثَلَاثَةَ أَوجه:
أَحدها: أَن يُحْمَلَ عَلَى (?) أَنهم إِنما عَمِلُوا عَلَى التَّوَسُّطِ، الَّذِي هُوَ مظنة الدوام، فلم يلزموا أَنفسهم ما لَعَلَّه (?) يُدْخِل عَلَيْهِمُ الْمَشَقَّةَ حَتَّى يَتْرُكُوا بِسَبَبِهِ مَا هُوَ أَولى، أَو يَتْرُكُوا الْعَمَلَ، أَو يُبَغِّضُوهُ لِثِقَلِهِ عَلَى أَنفسهم، بَلِ الْتَزَمُوا مَا كَانَ عَلَى النُّفُوسِ سَهْلًا فِي حَقِّهِمْ، فإِنما طَلَبُوا الْيُسْرَ لَا الْعُسْرَ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ حَالَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَالَ مَنْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ عَنْهُ مِنَ الْمُتَقَدِّمِينَ بِنَاءً عَلَى أَنهم إِنما عَمِلُوا بمَحْض السنَّة وَالطَّرِيقَةِ الْعَامَّةِ لِجَمِيعِ المُكَلَّفين، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ الطَّبَرِيِّ فِي الْجَوَابِ. وَمَا تَقَدَّمَ فِي السُّؤَالِ مِمَّا يَظْهَرُ مِنْهُ خِلَافُ ذَلِكَ فَقَضَايَا أَحوال يُمْكِنُ حَمْلُهَا عَلَى وَجْهٍ صَحِيحٍ، إِذا ثَبَتَ أَن الْعَامِلَ مِمَّنْ يُقتدى بِهِ.
وَالثَّانِي: يُحْتَمَلُ أَن يَكُونُوا (?) عَمِلُوا عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِيمَا اسْتَطَاعُوا، لَكِنْ على غير جِهَةِ (?) الِالْتِزَامِ، لَا بِنَذْرٍ وَلَا غَيْرِهِ، وَقَدْ يَدْخُلُ الْإِنْسَانُ فِي أَعمال (?) يَشُقُّ الدَّوَامُ عَلَيْهَا (?)، وَلَا يَشُقُّ فِي الْحَالِ، فيَغْتَنِم نَشَاطَهُ فِي حَالِهِ خَاصَّةٍ، غَيْرَ نَاظِرٍ فِيهَا (?) فِيمَا يأَتي، ويكون فيه جارياً (?) عَلَى أَصل رَفْعِ الْحَرَجِ، حَتَّى إِذا لَمْ يَسْتَطِعْهُ تَرَكَهُ وَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَنْدُوبَ لَا حَرَجَ فِي تَرْكِهِ فِي الْجُمْلَةِ.
ويُشْعِر بهذا المعنى: ما فِي الْحَدِيثِ (?) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا