وأَيضاً فإِن النَّهْيَ لَيْسَ عَنِ الْعِبَادَةِ الْمَطْلُوبَةِ، بَلْ هُوَ (?) عَنِ الْغُلُوِّ فِيهَا غُلُوًا يُدْخِل الْمَشَقَّةَ عَلَى الْعَامِلِ، فإِذا فَرَضْنَا مَنْ فُقِدَتْ فِي حَقِّهِ تِلْكَ الْعِلَّةُ، فَلَا يَنْتَهِضُ النَّهْيُ فِي حَقِّهِ، كَمَا إِذا قَالَ الشَّارِعُ: لَا يقض الْقَاضِي وَهُوَ غَضْبَانُ (?) ـ وَكَانَتْ عِلَّةُ النَّهْيِ تَشْوِيشَ الْفِكْرِ عَنِ اسْتِيفَاءِ الْحُجَجِ ـ، اطَّرَدَ النَّهْيُ مَعَ كُلِّ مُشَوِّش، وَانْتَفَى عِنْدَ انْتِفَائِهِ، حَتَّى إِنه مُنْتَفٍ مَعَ وُجُودِ الْغَضَبِ الْيَسِيرِ الَّذِي لَا يَمْنَعُ مِنَ اسْتِيفَاءِ الْحُجَجِ. وَهَذَا صَحِيحٌ جارٍ عَلَى الأُصول.
وَحَالُ مَنْ فُقدت فِي حَقِّهِ الْعِلَّةُ حَالُ مَنْ يَعْمَلُ بِحُكْمِ غَلَبة الْخَوْفِ أَو الرَّجَاءِ أَو الْمَحَبَّةِ، فإِن الْخَوْفَ سَوْطٌ سائق (?)، والرجاءُ حادٍ قائد، والمحبة سيل (?) حَامِلٌ. فَالْخَائِفُ إِن وَجَدَ الْمَشَقَّةَ فَالْخَوْفُ مِمَّا هو أَشق يحمله على الصبر على مَا هُوَ أَهون، وإِن كَانَ الْعَمَلُ (?) شَاقًّا. وَالرَّاجِي يَعْمَلُ وإِن (?) وَجَدَ الْمَشَقَّةَ؛ لِأَنَّ رجاءَ الرَّاحَةِ التَّامَّةِ يَحْمِلُهُ عَلَى الصَّبْرِ عَلَى بَعْضِ التَّعَبِ. وَالْمُحِبُّ يَعْمَلُ بِبَذْلِ الْمَجْهُودِ شَوْقًا إِلى الْمَحْبُوبِ، فَيَسْهُلُ عَلَيْهِ الصَّعْبُ، وَيَقْرُبُ عَلَيْهِ الْبَعِيدُ، ويَفْنَى الْقُوَى (?)، وَلَا يَرَى أَنه أَوفى بِعَهْدِ الْمَحَبَّةِ، ولا قام بشكر النعمة، ويعمر الْأَنْفَاسَ وَلَا يَرَى أَنه قَضَى نَهْمَتَهُ (?).
وإِذا كَانَ كَذَلِكَ صَحَّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأَدِلَّةِ، وَجَازَ الدُّخُولُ فِي الْعَمَلِ الْتِزَامًا مَعَ الْإِيغَالِ فِيهِ، إِما مُطْلَقًا، وإِما مَعَ ظَنِّ انْتِفَاءِ الْعِلَّةِ، وإِن دَخَلَتِ الْمَشَقَّةُ فِيمَا بَعْدُ، إِذا صَحَّ من (?) العامل الدوام على العمل، ويكون ذلك