أَجْتَمِعَ بِهَذَا الْعَالِمِ مَا رَحَلْتُ إِلَّا عَرِيًّا عن نادرة الأيام، انظر إلى حذفه بالكلام ومعرفته؛ قَالَ لِي: أَيُّ شَيْءٍ هُوَ اللَّهُ؟ وَلَا يسأل مثل هَذَا إِلَّا مِثْلُهُ. وَلَكِنْ بَقِيَتْ هَاهُنَا نُكْتَةٌ لا بد أَنْ نَأْخُذَهَا الْيَوْمَ عَنْهُ، وَتَكُونُ ضِيَافَتُنَا عِنْدَهُ. لِمَ قُلْتَ: "أَيُّ شَيْءٍ هُوَ اللَّهُ"؟ فَاقْتَصَرْتَ مِنْ حُرُوفِ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى "أَيِّ"، وَتَرَكْتَ الْهَمْزَةَ وهل وكيف وأين وكم وما، وهي أَيْضًا مِنْ ثَوَانِي حُرُوفِ الِاسْتِفْهَامِ، وعَدَلْتَ عَنِ اللام (?) من حروفه، فهذا سؤال ثاني عن حكمة ثانية، ولأي معنيان فِي الِاسْتِفْهَامِ، فَأَيَّ الْمَعْنَيَيْنِ قَصَدْتَ بِهَا؟ ولِمَ سألتَ بِحَرْفٍ مُحْتَمِلٍ (?)؟ وَلَمْ تَسْأَلْ بِحَرْفٍ مُصَرِّحٍ بمعنى واحد؟ هل وقع ذلك منك بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا قَصْدِ حِكْمَةٍ؟ أَمْ بِقَصْدِ حِكْمَةٍ؟ فبيِّنْها لَنَا.

فَمَا هُوَ إِلَّا أَنِ افْتَتَحْتُ هَذَا الْكَلَامَ، وَانْبَسَطْتُ فِيهِ، وَهُوَ يَتَغَيَّرُ، حَتَّى اصفرَّ آخِرًا مِنَ الوَجَل، كَمَا اسْوَدَّ أَوَّلًا مِنَ الْحِقْدِ، وَرَجَعَ أَحَدُ أَصْحَابِهِ الَّذِي كَانَ عَنْ يَمِينِهِ إِلَى آخَرَ كَانَ بِجَانِبِهِ، وَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا الصَّبِيُّ إِلَّا بَحْرٌ زَاخِرٌ مِنَ الْعِلْمِ، مَا رَأَيْنَا مِثْلَهُ قَطُّ، وهم ما رأوا أحداً به رَمَقٌ؛ لِأَنَّ الدَّوْلَةَ لَهُمْ، وَلَوْلَا مَكَانُنَا مِنْ رِفْعَةِ الدولة ملك الشام، وأن والي عكا كان يحظينا، مَا تخلَّصت مِنْهُمْ فِي الْعَادَةِ (?) أَبَدًا.

وَحِينَ سَمِعْتُ تِلْكَ الْكَلِمَةَ مِنْ إِعْظَامِي؛ قُلْتُ: هَذَا مَجْلِسٌ عَظِيمٌ، وَكَلَامٌ طَوِيلٌ، يَفْتَقِرُ إِلَى تَفْصِيلٍ، ولكن يتواعد إِلَى يَوْمٍ آخَرَ، وَقُمْتُ وَخَرَجْتُ فَقَامُوا كُلُّهُمْ مَعِي، وَقَالُوا: لَا بُدَّ أَنْ تَبْقَى قَلِيلًا، فَقُلْتُ: لَا، وَأَسْرَعْتُ حَافِيًا وَخَرَجْتُ عَلَى الْبَابِ أغدو حتى أشرفت على قارعة الطريق، وبقيت هنالك مُبَشِّرًا نَفْسِي بِالْحَيَاةِ، حَتَّى خَرَجُوا بَعْدِي، وَأَخْرَجُوا لي [لالكي] (?)، وَلَبِسْتُهَا، وَمَشَيْتُ مَعَهُمْ مُتَضَاحِكًا، وَوَعَدُونِي بِمَجْلِسٍ آخَرَ فَلَمْ أُوْفِ لَهُمْ، وَخِفْتُ وَفَاتِي فِي وَفَائِي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015