فَنَقُولُ: قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (?)، وَذَلِكَ أَن هَذِهِ الْآيَةَ شَمَلَتْ قِسْمَيْنِ هُمَا أَصل الْمَشْيِ عَلَى طَرِيقِ الصَّوَابِ، أَو عَلَى طَرِيقِ الخطأَ:
أَحدهما: الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ، وَهُمُ الثَّابِتُو الأَقدام فِي عِلْمِ الشَّرِيعَةِ. وَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ متعذِّراً إِلا عَلَى مَنْ حَصَّلَ الأَمرين الْمُتَقَدِّمَيْنِ، لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنَ الْمَعْرِفَةِ بِهِمَا مَعًا عَلَى حَسَبِ مَا تُعْطِيهِ المُنَّة (?) الإِنسانية، وإِذ ذَاكَ يُطْلَقُ عَلَيْهِ أَنه رَاسِخٌ فِي الْعِلْمِ. وَمُقْتَضَى الْآيَةُ مَدْحُهُ، فَهُوَ إِذاً أَهلٌ لِلْهِدَايَةِ وَالِاسْتِنْبَاطِ. وَحِينَ خَصَّ أَهل الزَّيْغِ بِاتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهِ، دلَّ التَّخْصِيصُ عَلَى أَنَّ الرَّاسِخِينَ لَا يَتْبَعُونَهُ، فَإِذًا؛ لَا يَتَّبِعُونَ إِلا الْمُحْكَمَ، وَهُوَ أُمُّ الْكِتَابِ ومُعْظَمُه.
فَكُلُّ دَلِيلٍ خَاصٍّ أَو عَامٍّ شَهِدَ لَهُ مُعْظَمُ الشَّرِيعَةِ فَهُوَ الدَّلِيلُ الصَّحِيحُ، وَمَا سِوَاهُ فَاسِدٌ، إِذ لَيْسَ بَيْنَ الدليل (?) الصَّحِيحِ وَالْفَاسِدِ وَاسِطَةٌ فِي الأَدلّة يُستند إِليها؛ إِذ لَوْ كَانَ ثمَّ ثَالِثٌ لنصَّت عَلَيْهِ الْآيَةُ.
ثُمَّ لَمَّا خُصَّ الزَّائِغُونَ بِكَوْنِهِمْ يَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ، ولم يوصف الراسخون بذلك؛ دل على (?) أَنَّهم لا يتبعون تأَويله؛ أَي: مآله؛ يريد طلب معناه؛ ليحكموا به على مقتضى أَهوائهم في طلب الفتنة (?) أَيضاً (?). فإِن تأَوّلوه فبالرَّد إِلى المحكم، فإن (?) أَمكن حمله على المحكم بمقتضى القواعد؛ فهو (?) الْمُتَشَابِهُ الإِضافي لَا الْحَقِيقِيُّ، وَلَيْسَ فِي الْآيَةِ نَصٌّ عَلَى حُكْمِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلى الرَّاسِخِينَ، فَلْيَرْجِعْ عِنْدَهُمْ إِلى الْمُحْكَمِ الَّذِي هُوَ أُمّ الْكِتَابِ. وإِن لَمْ يتأَوَّلُوه فَبِنَاءً عَلَى أَنه مُتَشَابِهٌ حقيقي، فيقابلونه بالتسليم