وَقَوْلِهِمْ: {آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، وَهَؤُلَاءِ هُمْ أُولو الأَلباب.
وَكَذَلِكَ ذَكَرَ فِي أَهل الزَّيْغِ أَنهم يَتَّبِعُونَ الْمُتَشَابِهَ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ، فَهُمْ يَطْلُبُونَ بِهِ أَهواءهم لِحُصُولِ الْفِتْنَةِ، فَلَيْسَ نَظَرِهِمْ إِذاً فِي الدَّلِيلِ نظرَ الْمُسْتَبْصِرِ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَحْتَ حُكْمِهِ، بَلْ نَظَرُ مَنْ حَكَمَ بِالْهَوَى، ثُمَّ أَتى بِالدَّلِيلِ كَالشَّاهِدِ لَهُ، وَلَمْ يَذَكُرْ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الرَّاسِخِينَ، فَهُمْ إِذن بِضِدِّ (?) هَؤُلَاءِ؛ حَيْثُ وَقَفُوا فِي الْمُتَشَابِهِ فلم يحكموا فيه ولا عليه بشيء (?) سِوَى التَّسْلِيمِ. وَهَذَا الْمَعْنَى خَاصٌّ بِمَنْ طَلَبَ الْحَقَّ مِنَ الأَدلة، لَا يَدْخُلُ فِيهِ مَنْ طَلَبَ فِي الأَدلة مَا يُصَحِّحُ هَوَاهُ السَّابِقَ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: مَنْ لَيْسَ بِرَاسِخٍ فِي الْعِلْمِ، وهو الزائغ، فحصل له في الآية وَصْفَانِ:
أَحَدُهُمَا: بِالنَّصِّ، وَهُوَ الزَّيْغُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ}، وَالزَّيْغُ هُوَ: الْمَيْلُ عَنِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. وَهُوَ ذم لهم.
والوصف (?) الثاني بِالْمَعْنَى الَّذِي أَعطاه التَّقْسِيمُ: وَهُوَ عَدَمُ الرُّسُوخِ فِي الْعِلْمِ، وَكُلٌّ منفيٌّ عَنْهُ الرُّسُوخُ فإِلى الجهل ما هو (?)، وَمِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ حَصَلَ لَهُ الزَّيْغُ؛ لأَن من بقي عليه في (?) طريق الاستنباط واتباع الأدلة بعض (?) الجَهالات، لم يحلّ أن يتبع الأَدلة المحكمة (?) ولا المتشابهة. فلو (?) فَرَضْنَا أَنه يَتْبَعُ الْمُحْكَمَ؛ لَمْ يَكُنْ اتِّباعه مُفِيدًا لِحُكْمِهِ؛ لإِمكان (?) أَن يَتْبَعَهُ عَلَى وَجْهٍ وَاضِحِ الْبُطْلَانِ، أَو مُتَشَابِهٍ، فَمَا ظَنُّكَ بِهِ إِذا اتبع نفس (?) المتشابه؟
ثم اتِّباعه للمتشابه ـ لو (?) كَانَ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِرْشَادِ بِهِ لَا لِلْفِتْنَةِ به ـ