فمضى أهل الشام إلى الحسن، فحملوه إلى الحجاج، وعرف الحسن ما قاله، فكان طول طريقه يحرك شفتيه.
فلما دخل، وجد السيف والنطع بين يديه وهو متغيظ، فلما رآه كلمه بكلام غليظ، فرفق به الحسن، ووعظه.
فأمر الحجاج بالسيف والنطع فرفعا، ثم لم يزل الحسن يمر في كلامه، حتي دعا الحجاج بالطعام، فأكلا، وبالوضوء فتوضأ، وصرفه مكرمًا.
وقال صالح بن مسمار: فقيل للحسن: بم كنت تحرك شفتيك؟ قال: قلت: يا غياثي عند دعوتي، ويا عدتي في ملمتي، ويا ربي عند كربتي ويا صاحبي في شدتي، ويا وليي في نعمتي، ويا إلهي، وإله إبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط، وموسى، وعيسى، ويا رب النبيين كلهم أجمعين،
قال صالح: فما دعونا بها في شدة إلا فرج عنا.
ويتضح هنا أن الحسن البصري -رحمه الله- كان من أولئك الذين يخافون الله وحده ويعتصمون به وحده ويستغيثون به وحده جل وعلا.
الموقف الخامس:
وعن أبي سلمة عبيد الله بن منصور قال: جرت على رجل شرة هاضته (?) فلج في الدعاء إلى الله تعالى ذات ليلة فهتف به هاتف: يا هذا قل يا سامع كل صوت ويا بارئ النفوس بعد الموت ويا من لا تغشاه الظلمات ويا من لا يشغله شئ عن شئ قال: فدعا بها ففرج عنه (?).
الموقف السادس:
عن إسحاق العدواني، قال: زحف إلينا ابن ادمهومرد عند مدينة الكرج في ثمانين فيلاً، فكادت تنقض الصفوف والخيول، فكرب لذلك محمد بن القاسم الثقفي، فنادى عمران بن النعمان أمير أهل حمص، وأمر الجنود، فنهضوا، فما استطاعوا، فلما أعيته الأمور، نادى مرارًا: لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، فكف الفيلة بذلك، وسلط الله عليها الحر، فأنضجتها، ففزعت إلى الماء، فما استطاع سواقها، ولا أصحابها، حسبها، فكان الفتح من عند الله تعالى. (?).
وهنا اعتصم محمد بن قاسم -رحمه الله- بالله جل وعلا وفوض أمره إليه وأن استمداد القوة إنما من الله وحده وتجرد عن قوته وقوة جنوده إلى الله عز وجل فكان النصر العظيم.
الموقف السابع: