أما المشروع: فلأنه قد وجد نظير ذلك في الزكوات والكفارات وقضاء رمضان إذا كان الفطر بعذر، كذلك على نحوه وجب الصلاة في الأوقات المحدودة، لأنها أوقات تفصل عما يسع للفعل فلم يكن الوجوب إلا على هذا الوجه وهو الأمر بالفعل لا على وجه الفور والبدار لكن على التوسع في الوقت المضروب حتى يفعله في أي وقت أحبه من غير أن يخلى الوقت المضروب منه، فصار الوقت المحدود هنالك كمدة العمر ههنا.

وأما المعقول: فلأن الإيجاب على وجه التضييق ومبادرة الفعل، كما يجوز أن يكون هو مراد الآمر ومصلحة المأمور فيجوز أن يكون الإيجاب على وجه التوسيع في الوقت مراد الآمر ومصلحة المأمور، فإذا جاز أحدهما جاز الآخر، فهذا الذي ذكرناه هو المعتمد من الدليل، وهو في نهاية القوة، وفي المسألة إلزامات حكمية ذكرناها في التعليق، واقتصرنا في هذا الموضع على هذا القدر، وفيه الغنية.

وقد تعلق الشافعي رضي الله عنه بتأخير النبي عليه السلام الحج من السنة التي وجبت فيها إلى السنة الأخيرة من سني عمره، وهي السنة العاشرة مع التمكن من فعله فإنه صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة في سنة ثمان في شهر رمضان وعاد إلى المدينة، واستخلف على الحج عتاب ابن أسيد، وبعث أبا بكر الصديق رضي الله عنه في السنة الثانية وهي سنة تسع، وحج سنة عشر فقد أخر سنتين من أول سني الإمكان.

ولنا في رسول الله أسوة وبه قدوة مما أطلق له فمطلق لنا، وإن ادعوا عذراً في التأخير فلابد من بيانه.

وأما حجتهم:

قالوا: الأمر المطلق على الفور، لأنه مفيد للوجوب، والواجب ما لا يسع تركه والتأخير ترك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015