متعدية، وأيضًا فإنها تفيد أن الأصل الذي اقْتُضِيَتِ العلة منه أصل لا يجوز القياس عليه، فقد حصلت الفائدة فيها من هذا الوجه.
عند مالك وغيره من أهل العلم لا يجوز تخصيص العلة إلا العقلية، ولا خلاف في ذلك، واختلف الناس في تخصيص العلة الشرعية المنصوص عليها، والمستدل عليها إذا كانتا شرعيتين، فعندنا وعند غيرنا من الفقهاء، لا يجوز تخصيصها.
وقال أهل العراق: يجوز تخصيصها، ويجوز كونها كالعموم المشتمل على المُسَمَّيَّات يصح أن يختص ببعض المسميات، فكذلك هي؛ لأنها علامة وأمارة، وذهب غيرهم إلى جواز تخصيص العلة المنصوص عليها، مثل قوله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} [المائدة: الآية 32] وكقوله تعالى: {كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: الآية 7] وكقوله -صلى اللَّه عليه وسلم- في الهِرَّةِ: "إِنَّهَا مِنَ الطَّوْافِينَ عَلَيْكُمْ وَالطَّوَّافَاتِ" (?).
وامتنع من تخصيص العلة المستنبطة كعلة الرِّبا في الْبُرِّ، وعندنا أنه لا يجوز تخصيصهما جميعًا، والأصل في ذلك هو أن العلة أمارة وصحتها الجريان بما قد بيناه من الدلائل, والتخصيص يمنع جريانها، ويبطل أن يكون الجريان دليلًا على صحتها، فإذا كان الجريان دليلًا على صحتها وتخصيصها إِذًا باطل؛ لأنه يرفع أصلًا ثابتًا، وما أدّى إلى رفع الأصل الثابت المستقر، فهو مَدْفوع.
وأيضًا فإن اللَّه -تعالى- آخذ المشركين بالنُّفور عليهم فقال سبحانه: {وَقَالُوا لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: الآية 81].
فلولا أن المساواة في المعنى توجب المساواة في الحكم لم يلزمهم هنا بل كانوا يتخلصون منه بأن يقولوا: قام دليله فخصصناه وأيضًا فإنه لو لم يؤثر التخصيص في صحّتها لم تؤثر المعارضة؛ لأن التخصيص هو غاية المناقضة التي لا تَرْتَضِيها العَامَّة في اختلافها، فلا خلاف عن أن يكون من أفعال الحكماء، ألا ترى أن تاجرًا صوفيًّا لو قيل له: سامح في هذا الثوب، فقال: لا أسامح فيه. لأنه كِتَّان ثم سامح في ثوب كتان مثله، لقيل له: قد ناقضت، ولو كان هذا مما لا يخفى عن العوام ردَّه على