قائله، وأنه مناقض بذلك. فبطل جواز التخصيص في العلّة، وأيضًا فإن العلّة لو جاز وجودها مع ارتفاع الحكم، ولا يمنع ذلك من صحتها لاحتيج في تعليق الحكم بها في كل فرع إلى استئناف دلالة. لأن ما دل على أنها علة في الأصل لم يوجب تعليق الحكم بها أينما وجدت على هذا القول، وإذا لم يوجب ذلك قبح الرجوع في تعليق الحكم بها في كل فرع بعينه إلى دليل مستأنف، وفي ذلك إخراج لها عن أن تكون علة، ويبين ذلك أن العلم المعجز الدال على صِدْق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لو لم يقتض صدق النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- في كل ما يقوله ويؤديه، لاحتاج في كل ما أخبر به إلى معجز، فكذلك القول في العِلَلِ.
فإن قيل: فإِن العلة في تعليق الحكم بها كالاسم العامِّ في ذلك، وكما أن وجود الاسم مع ارتفاع الحكم مما لا يبطل كون العموم دلالة لا توجب الحاجة في تعليق الحكم بكل اسم إلى دليل المستأنف، فكذلك العلة.
قيل: إِن العموم إِنما يدل على إرادة المخاطب، وإرادته تدل على الحكم لا نَفْس العموم، فإِنَّ قول العموم إِنما يدل على أنه لم يرد جميعه.
قلنا: إن ما عداه مراد، ولم تحصل الدلالة مخصوصة، إذ الدلالة هي الإرادة والدلالة على الإرادة هي مفهوم العموم مع القرينة. لأن البيان لا يتأخَّر، وليس كذلك العلّة, لأنها إن كانت هي في نفسها علة فيجب ألا يسوغ تخصيصًا لا يختص في الوجود بعين دون عين، وإن كانت تدلّ على الإرادة للجاعل لها علة فيجب أن تُقَدَّر بها ما يخرجها عن أن تكون لإطلاقها علة، وعلى أن العلة التي توجد في كل فرع في حكم النص على كل فرع، فكما أن التخصيص في ذلك لا يسوغ، فكذلك القول في العلة. لأنها ليست بمنزلة العموم الذي يدخله المجاز؛ لأن التعليل لا يدخله المجاز، وهو كالنص فيما ذكرناه، واللَّه أعلم.
اختلف الناس في القول بالعلَّتَيْن في أصل واحد.
أحدهما: يقتضي حمل الفرع عليه.
والآخر: يمنع من حمل الفرع عليه.