الاختلاف عن القرآن دليلًا على الَّذِي عنده، ولو جاز أيضًا وجود متفق لا من عنده، لم يأمن أن يكون القرآن متفقًا لا من عنده، وفي استدعاء المخاطبين إلى التدبر بهذه الآية دليل على أن المتفق لا يوجد من جهته، وأن المختلف يوجد منه.
فإن قيل على هذا: فإن الاختلاف في القرآن موجود لأننا نجد فيه الخاص والعام، والناسخ والمنسوخ، والخاص الذي يريد به العام، والعام الذي يريد به الخاص.
قيل: أريد بنفي الاختلاف الذي من جهته صار القرآن حجة، وهو عدم الاختلاف في الإعجاز وهو في الإعجاز متفق عليه، وأيضًا، فإننا قد أُمِرْنَا بالرجوع إلى الأصول في الحوادث كما أُمِرنَا بالرجوع إلى النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- فيها، فهذا عرض عليه نوع من أنواع المقايسة، فلم يرده وسكت عنه، كان ذلك دليلًا على صحته، وكذلك الأصول إِذا عُرِضَتِ العلة عليها فلم يردها أصل دل ذلك على صحتها، وأيضًا فإن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- طالب المشركين بإجراء العلة فيما اعتمدوه عليه، فقال تعالى: {قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ} [الأنعام: الآية 143].
أي إن كان المعنى للذكورة أو الأنوثة، أو الجمع، فالتزموه إن كنتم صادقين، وإلا فأنتم مناقضون، وأيضًا فإن المتفق من القول حُجّة، وكل المتفق من المعنى، لأنه في الجَرَيان والطرد اتفاق المعنى، ولا يلزم ما ذكروه عن السؤال في أن الحكم وجب لعلة فَإِذَا قيل لِمَ صَارت علة؟ قيل: لأن الحكم يتعلق بها أينما وجدت، وذلك أنه إذا قيل له: لِمَ وجب الحكم؟ فقال: للعلة، فإذا هو مدع للعلة، بلا برهان، فإذا قيل له: وَلِمَ صارت هذه علة فإنما علته أن يدل على صحتها بالجريان والطرد؟ فقد أقام البرهان على كونها علّة، وفي الأول سَمَّاها علة بدعوى، واللَّه أعلم.
اختلف الناس في العلة التي لا تتعدى، هل تكون صحيحة أم لا؟
فعندنا وعند غيرنا من الفقهاء أنها تكون علة صحيحة.
وقال ابْنُ العِرَاقِيّ: هي باطلة؛ لأنها لا تفيد إلا ما قد أفاده النص، فلا معنى لطلب علة لا تفيد غير ما أفاده النص، والدليل على أنها تصح؛ لأن العرض من العلة ليعلم أن الحكم إنما وجب لأجلها، فهذا صح ذلك صح أن تكون متعدية، وغير