فأما العلة عند مَالِكٍ والفقهاء، فهي الصفة التي يتعلَّق الحكم الشرعي بها، كما قلنا ومن حكم العلَّة العقلية وحقها أن تكون موجبة لمعلولها، وأن يستغني في إيجابها عن مفارقة غيرها لها وألا يقف في إيجابها على شرط وأن يكون بإيجابها لما يوجبه لبعض الأعيان دون بعض، أو لبعض الأزمان دون بعض، والعلة الشرعية تقاربها في جميع هذه الوجوه، فلا خلاف بين القياسين إلا في اختصاص لبعض الأعيان، فإن من يمنع من جواز تخصيص العلة الشرعية يسوي بينهما وبين العلل الأخرى في هذا الوجه الواحد، دون من يرى تخصيص العلة الشرعية منهم، وطريق معرفة العلّة العقلية دليل العقل، وطريق العلّة الشرعية دليل المنع.
وأما المعلول فهو الحكم الذي العلة علة فيه، وهو تحريم الرِّبَا، لا لأنه نفس البُرّ والأرز على ما يظنه بعضهم، وكيف يجوز ذلك في المعلول، والذي من حقه أن تؤثر العلة فيه، ويتبعها ويزول بزوالها، وهذا كله لا يتأتى في البُرِّ نفسه، فثبت أن المعلول هو الحكم الذي العلة علة فيه، واللَّه أعلم.
واختلف الناس فيما يدل على صحة العلة، وهل تصح بالجريان والطرد في معلولاتها، أو تعلم صحتها بعد ذلك، فمنهم من يقول: علامة صحّتها جريانها في معلولاتها، وأن يوافقها أصل.
ومنهم مَنْ قال: يحتاج أن يثبت أولًا أنها علّة، ثم جريانها بعد ذلك مرتبة أخرى. قالوا: لأن مَنْ يعلل بالطرد والجريان، لو قيل له: لما علقت الحكم بها لكان من حقه أن يقول: لأنها علة، فهذا قيل: لم صارت علة؟ قال: لأن الحكم يتعلّق بها أين ما وجدت، وهذا يؤدي إلى التناقض.
قال القاضي: والذي يقوى في نفسي هو الوجه الأول من الطرد والجريان، وأنه يكون دليلًا على صحتها، والأصل في ذلك أن اللَّه تعالى قال: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} إلَى قوله: {كَثِيرًا} [النساء: الآية 82].
فدل على أن المتفق من عنده، فلما اتفق بالصحة والنظم أثبت بالصفة والنظم، وأن المختلف ليس من عنده، فلو جاز وجود مختلف من عنده لم يكن عدم