ومن السُّنَّة قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-: "أُمَّتِي لا تَجْتَمعُ عَلَى ضَلالَة"، وقوله عليه السلام: "أمتي لا تجتمع على خطأ".
وقوله: "لا تزالُ طائِفَةٌ من أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الحَقِّ لا يَضُرُّهُمْ مَن خَالَفَهُم حتى تَقُومَ السَّاعَةُ (?) ومن حجَّة العقل الدلالة على عِصمتها، فلا يخلو أن يكون المراد بذلك جميع الأمة كلها من أولها إِلى آخرها من جهتين:
إحداهما: أنهم حُجَّة على أنفسهم.
والأخرى: أنهم لو كانوا كذلك، أو جاز أن يكونوا بأجمعهم حُجَّة لم يجز أن يدرك الحكم من جهتهم، إلا من أدرك أولهم وآخرهم، وهذا أيضًا بين الفساد، فثبت أن الحجة متعلقة ببعضهم، ولا يخلو ذلك البعض من أن يكون للصحابة -رضي اللَّه عنهم- وليس بعضهم حُجَّة على بعض، فلم يبق إلا أنهم حجة على غيرهم لأجل تقدمهم، وكان تَقَدَّم العصر الثاني للثالث كتقدم عصر الصحابة على التابعين، وكانت حاجة العصر الثالث إلى الثاني كحاجة الثاني إلى الأول من إرسال الرسل؛ إِذِ الرسل قد انقطعت بعد النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- وقد جعل خاتم النبيين -صلى اللَّه عليه وسلم- وجعلت الأمة عوضًا عنها، فوجب حجة الأعصر متقدّمهم على متأخرهم، كوجوب حُجَّة عصر الصحابة -رضي اللَّه عنهم- على من بعدهم، ولأن الحق لا يجوز أن يخرج عن كل عصر، فثبت أن إجماع كل عصر حجة، وباللَّه التوفيق.
قال القَاضِي الجليل كَرَّمَ اللَّه وجهه: العلة عند مالك والفقهاء هي الصفة التي يتعلق الحكم الشرعي بها، والعلة في مواضعة اللغة تفيد ما يتغير الحكم بوجوده، ولهذا سُمِّيَ المرض لما تغيرت الحال عما كان علة بوجوده ويصفون ماله الفعل أو لم يفعل علة فيقولون: جئت لعلة كذا وكذا, ولم أقل: لعلة كيت وكيت، واستعمله المتكلمون في غير ذلك.