والحجة لذلك أن الحكم للعلَّة إِذا وجدت علق عليها الحكم، وذلك مثل قول اللَّه عَزَّ وَجَلَّ: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور: الآية 2].
وكان ذلك عامًّا في كل زانية وزان، سواء أكان عبدًا أو حرًّا ثم خُصَّ من ذلك الإماء بقوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: الآية 25].
ثم أُلحِقَ العبيد بالإماء في الاقتصار على نصف حدِّ الحر من طريق القياس، وكانت العلة الجامعة بين الإماء والعبيد وجود الزنا مع كونهم أَرِقَّاء، فثبت بذلك جواز القياس على المخصوص، وباللَّه التوفيق.
عند مالك -رحمه اللَّه- الاستثناء والشرط (?) إِذا ذكر عَقِبَ جملة من الخطاب، هل يكون رجوعهما إلى ما تقدم أو يكونان راجعين إلى أقرب المذكورين، وهو الذي يليهما؟
والذي يدل عليه مذهب مَالِكٍ أن يكون الاستثناء راجعًا إِلَى جميع ما تقدم إِلا أن تُقَدَّمَ دلالة على المنع منه، وذلك أنه قال: شهادة القاذف مقبولة متى تاب، لقوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً} إِلَى قوله: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ} [النور: الآيتان 4، 5].
فجعل الاستثناء راجعًا إلى جميع ما تقدم من الفسق وقبول الشهادة.
والدليل على حجّة ذلك هو أن الاستثناء رَفعْ الحاكم كلام متقدّم قد قيد بعضه ببعض، حتى صار كالكلمة الواحدة، فوجب أن يكون راجعًا إلى جميعه إِذْ ليس بعضه بالرجوع إليه أولى من بعض، ومما يُبَيّنُ ذلك أن اللَّه -عَزَّ وَجَلَّ- قال: {فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا} [العنكبوت: الآية 14].
فكان الاستثناء عامًّا في جميع ما تقدم إذا لم يكن بعض السنين لرجوع ذلك إليه أولى من بعض؛ لأن جميع ذلك مرتبط ببعضه، واللَّه أعلم.