ولا يكون مقصورًا على السؤال، وكذلك يخرج ما روي أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، قال: "فِي سَائِمَةٍ الغَنَمِ الزَّكَاة" (?) أَنَّهُ سَأَلَ سَائِلٍ عن هَذَا، وما أشبهه فلا يكون مقصورًا على السؤال لقيام الدَّليل على العَامِلَةِ وَالسَّائِمَةِ في وجوب الزكاة فيهما، وقد يرد الحكم في شيء مذكور ببعض أوصافه، فيكون ممَّا سكت عنه، وقد يساوي المذكور في حكمه، ويكون منه مَا يخالفه.
ألا ترى إلى قوله عَزَّ وَجَلَّ: {وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ} [النساء: الآية 23].
كيف اشترط في التحريم حلائل أبناء الأصْلاب، فلم يكن في ذكر ذلك نفي حلائل أبناء البنين، ولم يكن فيه نفي لتحريم حلائل أبناء الرضَاع، واستوى حكم حلائل أبناء الأصْلاب، وحلائل أبناء الرّضَاع في التحريم، ولم يكن أَيْضًا في ذكر الحلائلِ مَنْ يخالف فيمن وطئ الأبناء من الإماء بِمِلْكِ اليمين، بل التحريم واحد.
وقد يرد الخطاب على وجوه، الظاهر منه إذا تجرَّد دلَّ على ما عداه بخلافه إلا أن يقوم دليل، والحُجَّة بقوله بدليل الخطاب إذا تجرد، هو أن ذلك لغة العرب؛ لأن الخطاب إنما يقع باللسان العربي، وبه يحصل البيان، ووجدنا أَهْل اللسان يفرقون بين المطلق والمقيد، وبين المُبْهَمِ، وما يعلّق بالشرط، فإذا قال القائل: من دخل الدار مِنْ بني تميم فأعطه درهمًا عُقِلَ منه، خلاف ما يُعْقَل من قوله: مَنْ دخل الدار فأَعْطِهِ دِرهمًا، وعُقِلَ منه، خلاف ما يُعْقَل من قوله: مَن لم يدخل الدار فأَعْطِهِ دِرْهمًا.
ولذلك تساءل أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- عن القَصْر للصلاة إذَا آمنُوا، لَمَّا سمعوا قوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النساء: الآية 101].
وإذا كان عندهم أن ما عدا الخوف من الأمْن بخلافه، فقال لهم رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صَدَقَةٌ تَصَدَّقَ بِهَا اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- عَلَيْكُمْ فَاقْبَلُوا صَدَقَتَهُ" (?).
ولم يرد عليهم ما ظنوه ولا خَطَّأهُمْ فيما قدّروه، فدلّ على أن ذلك لغته -صلى اللَّه عليه وسلم- ولغتهم -رضي اللَّه عنهم- فدلّ على صحة القول بدليل الخطاب، واللَّه أعلم.