ناقليه لكثرتهم، كمواقيت الصلاة وأركان الحج التي لا يتم إلا بها، وتحول القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة، وأشباه ذلك من الشرائع التي تواترت الأخبار بها عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وهذا هو الخبر المُتواتر الذي يوجب العلم، ويقطع العذر، ويشهد على مُخبره بالصدق، ويرتفع معه الرَّيْب، وهذا مما لا خلاف فيه بين فقهاء الأمصار، وسائر الأُمَّة، ولا ينكره إلا من خرج عن الجماعة ومَرَق من الدين وخالف ما عليه المسلمون، ولأنه بمثله تعرف أخبار الأنبياء والرسل والمماليك والدول والأيّام والأسلاف، وما لم نشاهد من البلدان مثل الصين، وَخُراسَانَ، فمن أنكر ذلك لزمه أن يتوقف عن معرفة هذه الأشياء، ومن توقَّف عن هذا بأن عَوَار مذهبه، وقبح طريقته وعناده ومكابرته وخروجه عن جميع ما عليه العقلاء، وكفى بهذا بطلانًا وفسادًا، وباللَّه التوفيق.
ومذهب مالك -رحمه اللَّه- قَبُول خبر الواحد العدل، وأنه يوجب العمل دون القطع على عَيْنِهِ، وبه قال جميع الفقهاء، وقد احتج مالك بذلك في الْمُتَبايعِينِ بالخيارِ مَا لَمْ يَفْتَرقَا (?)، وكَذَلِكَ في غَسْلِ الإِنَاءِ من وُلُوغ الْكَلْبِ (?)، وفي مواضع كثيرة.
والدليل على وجوب العمل به قوله عَزَّ وَجَلَّ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا. . .} إلى قوله: {نَادِمِينَ} [الحجرات: الآية 6]، فدل على أن العدل لا يثبت في خبره، إذ لو كان الفاسق والعدل سواء لم يكن لتخصيص الفاسق بالذِّكْر فائدة، وإنما لم يقطع على عَيْنه؛ لأن العلم لا يحصل من جهته؛ إذ لو كان يحصل من جهته العلم لوجب أن يستوي فيه كل مَنْ سمعه كما يستوي في العلم بمخبر خبر التواتر، فلما كنا نجد أنفسنا غير عالمين بصحة مخبره، دل على أنه لا يقطع على معينه، وأنه بخلاف التَّواتر، وصار خبر الواحد، بمنزلة الشَّاهد الذي قد أمرنا بقَبُول شهادته، وإن