والدليل على صحة ذلك أن المفروض الطاعة إذا قال لمن تلزمه طاعته: افعل، لم يعقل منه لا تفعل، ولا ما في معناه، ولا توقف، ولا ما في معناه، ولا أنت مُخَيَّر، ولا ما في معناه، فلم يبق إلا البخاري الفعل وإنجازه من المأمور به، فدل على أن الأوامر تدل على الوجوب إذا تجردت عن القرائن التي تدل على الندب (?) وغيره، واللَّه أعلم.
ومذهب مالك -رحمه اللَّه- أن أفعال النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- على الوجوب، وقد أباح ذلك، والثاني: أنه لا يتبع فيه إلا بدليل، هكذا حكى الخلاف في "شرح الطريقين في العيد"، وعن الماوَرْدِي أن ما فعله النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- لمعنى فزال ذلك المعنى، فيه قال ابن القطان: ولا خلاف فيه.
قال في مواضع كثيرة احتجاجًا بقوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: الآية 21] وسواء كان ذلك حظرًا أو إباحة حتى يتبيَّن أنه -عليه السلام- مخصوص بذلك دوننا، وقد أسقط مالك -رضي اللَّه عنه- الزَّكَاة في الخضراوات اقتداء بأنها لم يأخذها النبي -عليه السلام- فدلّ على أن أفعاله -صلى اللَّه عليه وسلم- عنده على الوجوب، وقال تعالى: {فَاتَّبِعُوهُ} [الأنعام: الآية 153].
والأمر على الوجوب، فوجب اتباعه -عليه السلام- في قوله وفعله، وكذلك قال عمر -رضي اللَّه عنه- لَمَّا قَبَّلَ الحَجَرَ: "إِنِّي لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولَكنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- قَبَّلَكَ".
وكذلك خلعت الصَّحابة -رضي اللَّه عنهم- نعالهم لدخول الكعبة، وقالوا: رأينا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خَلَعَ نَعْلَين لدخولها، فدل على أن أفعاله على الوجوب إلا أن يقوم دليل الخصوص.
ومذهب مالك -رحمه اللَّه- قَبُول الخبر الذي قد اشتهر واستغنى عن ذكر عدد