كنا لا نقطع على صدقه، فإن قيل: إن في سياق الآية ما يوجب التوقُّف عن خبره، وهو قوله عَزَّ وَجَلَّ: {أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ} [الحجرات: الآية 6].
والجَهَالَة قد تدخل في خبر العدل من حيث كان خبره، ولا نقطع على غيبه، ومن حيث كان السَّهْو والغلط والكذب جائزًا عليه.
قيل: الجهالة في هذا الموضع هي السَّفَاهة وفعل ما لا يجوز فعله مما يقع التوبيخ والذم عليه، وقد جاز التوبيخُ على الجهل في بعض المواضع، ولو كانت الجهالة لا تكون إلا بمعنى الغَلط لقبح الذم والتوبيخ على فعلها، والدليل على صحّة التأويل قوله عَزَّ وَجَلَّ: {فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} [الحجرات: الآية 6] والندم إنما يكون على ارتكاب المنهي.
والدليل أيضًا على ذلك أنه لو كانت العلّة في وجوب التوقف عنه في الجهل بخبره، لم يجز قَبُول خبر الشاهدين لهذه العلّة، فلما أجاز اللَّه -سبحانه- ذلك وأمر بِقَبُولِهِ دلَّ على فساد قول من ردّ خبر الواحد بذلك، واللَّه أعلم.
ومذهب مالك -رحمه اللَّه- قبول الخبر المرسل إذا كان مرسله عدلًا عارفًا بما أرسل، كما يقبل المسند، وقد احتجّ به في مواضع كثيرة حيث أرسل الخبر في اليمين مع الشاهد، وعمل به، وكذلك أرسل الحديث في الشفعة وللشريك وعمل به، وكذلك أرسل الخبر في ناقة البراءِ، وسائر جنايات المواشي، فعمل بذلك، والحجة له أن المُرْسل إذا كان عدلًا متيقظًا، فقد أسقط عنا بعدالته ويقظته تعديل من لم يذكره لنا ممن روي عنه وناب منابنا، وكفانا التماس عدالة من نقل عنه، فوجب لمن وجب تقليده في عدالته أن يقلده في أنه لا يروي عن غير عدل ثقة، وقد علم أنه إذا صرح بذكر مَن روى عنه، فقد وَكَّل الاجتهاد إلينا لنعتبر حاله بأنفسنا، وأنه إذا أَضَنَّ بمن ذكره، فقد استبذ بعلم ما خقي علينا من عَدَالته، وأن يعمل على ذلك من كان مرضيًّا عندنا ضابطًا متيقظًا إلا وقد بالغ في الثقة مقن روي عنه، وأن يقول: قال رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- الأمر، حيث يصح عنده أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قاله: ولم يزل أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يرسلون، ويخبر بعضهم بعضًا فيذكرون من أخبرهم تارة، ويستغنون عن ذكره أخرى، وكذلك