يراه أقدر عليها، ولأن الخلافة لا تنعقد إلا ببيعة أهل الرأي في الأمة، فكل ما يحدث من الاختيار قبل البيعة ليس إلا ترشيحًا للخلافة قد يأخذ ذَوُو الرأي به وقد يهملونه.

ولقد كان اختيار عمر ترشيحًا لا شك فيه، لأنه اختار ستة أشخاص وما يصح أن يلي الأمر إلا واحد منهم، وإذا كان عمر قد ترك لهم أن يختاروا من بينهم فإن اختيارهم هذا ليس إلا ترشيحًا ثانيًا، أي أن عمر رشح ستة للخلافة على أن يرشحوا من بينهم واحدًا، ولو كان الرأي لهؤلاء الستة فقط لما كان عبد الرحمن في حاجة إلى أن يستشير المهاجرين والأنصار والأشراف وأمراء الجند ثلاثة أيام بلياليها حتى لقد ذكر أنه لم ينم في الليلة الأخيرة، ولما كان في حاجة لأن يجمع الناس في المسجد بعد الصلاة ويسألهم أن يشيروا عليه، ولو كان الرأي لهؤلاء الستة دون غيرهم لانعقدت الخلافة بمبايعة خمسة منهم لسادسهم، ولما كان هناك ما يدعو لأن يبايع الناس جميعًا.

فاختيار عمر إذن كان ترشيحًا، واختيار عبد الرحمن كان ترشيحًا، ولم تنعقد البيعة لعثمان إلا برضاء الجماعة عنه ومبايعتهم إياه، وإذا كان عبد الرحمن قد اختار عثمان وبايعه فتابعه الناس على ما رأى فما ذلك إلا لأنهم يثقون في عبد الرحمن وتلك طبيعة البشر في كل الأزمان يتابعون من يثقون فيه ويحسنون به الظن.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015