والمقارنة والموازنة بين الأساليب وطرق البيان، وكثرة المدارسة والممارسة لكلام البلغاء والفصحاء، وهي طريقة الإمام عبد القاهر الجرجاني ومدرسته، وذلك كما صنع في كتابيه الجليلين: "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة"، حينئذ يتسهل على المفسر لكتاب الله إدراك ما فيه من فصيح الكلام، وبليغ المعاني وأسرار الإعجاز، وما أحسن ما قاله ابن أبي الحديد في هذا، قال: اعلم أن معرفة الفصيح والأفصح، والرشيق والأرشق من الكلام أمر لا يدرك إلا بالذوق، ولا يمكن إقامة الدلالة عليه، وهو بمنزلة جاريتين: إحداهما بيضاء مشربة بحمرة، دقيقة الشفتين، نقية الثغر، كحلاء العين، أسيلة الخد، دقيقة الأنف معتدلة القامة، والأخرى دونها في هذه الصفات والمحاسن، لكنها أحلى في العيون والقلوب منها، ولا يدرى سبب ذلك، ولكنه يعرف بالذوق والمشاهدة، ولا يمكن تعليله، وهكذا الكلام!! نعم يبقى الفرق بين الوصفين، إن حسن الوجوه، وملاحتها، وتفضيل بعضها على بعض يدركه كل من له عين صحيحة، وأما الكلام: فلا يدرك إلا بالذوق، وليس كل من اشتغل بالنحو، واللغة، والفقه، يكون من أهل الذوق، وممن صلح لانتقاد الكلام، وإنما أهل الذوق هم الذين اشتغلوا بعلم البيان، وراضوا أنفسهم بالرسائل، والخطب، والكتابة والشعر، وصارت لهم بذلك دراية، وملكة تامة، فإلى هؤلاء ينبغي أن يرجع في معرفة الكلام وفضل بعضه على بعض.
وقال الزمخشري: من حق مفسر كتاب الله الباهر، وكلامه المعجز أن يتعاهد بقاء النظم على حسنه، والبلاغة على كمالها، وما وقع به التحدى سليما من القادح.
أقول: والزمخشري: من خير إن لم يكن خير من له في إدراك إعجاز القرآن باع طويل، وخير من أفصح عن أسرار إعجاز القرآن الكريم بطريقة العرب الفصحاء البلغاء، لا بطريقة أهل الفلسفة والكلام.
"الثامن": علم القراءات؛ لأنه به يعرف كيفية النطق بألفاظ القرآن الكريم، وبالقراءات يترجح بعض الوجوه المحتملة على بعض.
"التاسع": علم أصول الدين؛ ليعرف وهو يفسر القرآن ما يجب لله وما يستحيل عليه، وما يجوز له، وليعرف الفرق بين العقائد والشرائع، وما هو من أصول الدين، وما هو من فروعه.