تعالى: {يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ} 1 أنه جمع "أُمٍّ" وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم دون آبائهم. قال: وهذا جهل أوجبه جهله بالتصريف؛ فإن أُمّ لا تجمع على إمام، وصدق الزمخشري رحمه الله، فهذا من بدع التفاسير حقا.
"الرابع" علم الاشتقاق؛ لأن الاسم إذا كان اشتقاقه من مادتين اختلف المعنى باختلافهما، كالمسيح2: أهو من السياحة، أو المسح، فمن الأول يسمى المسيح مسيحا؛ لكثرة سياحته، وأما من الثاني: فلأنه كان لا يمسح على ذي عاهة إلا بَرَأَ بإذن الله تعالى ومثل ذلك أيضا النبي، أهو من النبأ بمعنى الخبر، فهو مخبر بكسر الباء عن الله، أو مخبر بفتح الباء منه أو هو من النبوة بمعنى الرفعة، وليس من شك في أن المعنى يتغير بتغير أصل الاشتقاق.
"الخامس، والسادس، والسابع": علوم المعاني، والبيان والبديع؛ لأنه يعرف بالأول خواص تراكيب الكلام من جهة إفادتها المعاني، وبالثاني خواصها من حيث اختلافها بحسب وضوح الدلالة وخفائها، وبالثالث وجوه تحسين الكلام، وهذه العلوم الثلاثة هي علوم البلاغة، وهي من أعظم أركان المفسر؛ لأنه لا بد له من أن يعلم ما يقتضيه الإعجاز، وإنما يدرك بهذه العلوم.
وقال السكاكي: أعلم أن شأن الإعجاز عجيب، يدرك ولا يمكن وصفه، كاستقامة الوزن تدرك ولا يمكن وصفها، وكالملاحة، ولا طريق لتحصيله لغير ذوي الفطرة السليمة إلا التمرن على علمى المعاني والبيان.
أقول: وتعلم البلاغة بالطريقة التي وضعها السكاكي وأمثاله ممن قَعَّدوا القواعد، وفلسفوها، لا تكون ملكة، ولا تربي ذوقا، وكثير ممن درس البلاغة على هذا النحو الجاف لا يستطيع أن يكتب صحيفة، أو يحبر مقالا رائقا مشرقًا، يأخذ بمجامع القلوب، ويستولي على النفوس، فضلا عن كتاب.
وإنما الذي يجدي في تكوين الملكة، وتربية الذوق البلاغي، وإرهاف الحس الأدبي، هو: مزاولة الجيد من القول، والبليغ من كلام العرب نثرا ونظما،