لم يكن عارفا بلغات العرب، قال الإمام مالك: لا أوتى برجل غير عالم بلغة العرب يفسر كتاب الله إلا جعلته نكالا"، أقول: والمراد: العلم باللغة الواسع، المتعمق، ولا يكتفى باليسير منه، فقد يكون اللفظ مشتركا، وهو يعلم أحد المعنيين، ويكون المراد الآخر، وكذلك العلم بالفروق اللغوية. والعلم باللغة، نثرها ونظمها من الأسباب التي مكنت لابن عباس أن يكون حبر القرآن، ورأس المدرسة المكية التي هي آصَلُ المدارس التفسيرية.

"الثاني": النحو لأن المعنى يتغير ويختلف باختلاف الإعراب، فلا بد من اعتباره. أخرج أبو عبيد عن الحسن -أي البصري: أنه سئل عن الرجل يتعلم العربية يلتمس بها حسن المنطق، ويقيم بها قراءته؟ فقال: حسن فتعلمها؛ فإن الرجل يقرأ الآية فيَعْيَى بوجهها، فيهلك فيها.

أقول: ومن لم يعرف النحو فربما يقع في أخطاء فاحشة، قد تؤدي إلى الكفر، ومثل ذلك الرجل الذي قرأ قوله تعالى: "إِنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولِهِ" بجر "رسوله" فكاد يقع في الكفر وهو لا يعلم، فكان هذا من الأسباب الحاملة على وضع علم النحو1.

"الثالث" علم التصريف؛ لأن به تعرف أبنية الكلمات والصيغ قال ابن فارس: ومن فاته علمه فاته المعظم؛ لأن "وجد" مثلا كلمة مبهمة، فإذا صرفناها اتضحت بمصادرها؛ فإنها تستعمل في العثور على الدابة، وفي الحصول على المطلوب، وفي الغضب، وفي الغنى، وفي الحب، وإنما تتميز بالمصادر، يقال: وجد ضالته وِجدانا بكسر الواو، ومطلوبه وُجودًا بضمها، وفي الغضب موجدة بكسر الجيم، وفي الغنى وُجْدًا بضم الواو، وفي الحب وَجْدًا بفتح الواو2.

وقال الزمخشري في تفسيره: من بدع التفاسير قول من قال: إن الإمام في قوله

طور بواسطة نورين ميديا © 2015