به أهل العلم المتأهلون له من الأمة الإسلامية سقط عن الباقين.
والله سبحانه وتعالى إنما يخاطب كل قوم بما يفهمونه ولذلك أرسل كل رسول بلسان قومه، وأنزل كتابه بلغتهم، وقد نزل القرآن بلسان عربي مبين، في وقت بلغ فيه العرب الغاية في الفصاحة والبلاغة وكانوا يعرفون ظواهره وأحكامه، وأما دقائق معانيه وحقائق تأويله: فإنما كان يظهر لهم بعد البحث، والنظر، والتأمل، وما كان يخفى عليهم منه، أو يشكل، كانوا يسألون عنه النبي صلى الله عليه وسلم وذلك كسؤالهم له لما نزل قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُون} 1 فقالوا: وأينا لم يظلم؟ وفزعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فبين لهم أن المراد بالظلم الشرك، واستدل عليه بقوله تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيم} 2 وكبيانه للسيدة عائشة رضي الله عنها أن المراد بالحساب اليسير في قوله تعالى: {فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا} 3: العرض أي: استعراض الأعمال من غير مناقشة، وكقصة عدي بن حاتم في الخيط الأبيض، والخيط الأسود، وظنه أن المراد الحقيقة، حتى بين له النبي صلى الله عليه وسلم أن المراد بالخيط الأبيض بياض النهار، وبالخيط الأسود سواد الليل، إلى نحو ذلك مما خفي عليهم، ونحن محتاجون إلى مثل ما كانوا محتاجين إليه، بل وزيادة عما كانوا محتاجين إليه؛ لقصورنا عنهم في العلم باللغة، وأساليبها، والبلاغة وأسرارها، والعلم بأسباب النزول، والفقه في الدين، ومعرفة الحلال والحرام، والناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه.
وقد بين لهم النبي معاني القرآن، كما بين لهم ألفاظه، قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} 4، فمن ثم حفظوا ألفاظه، وفهموا معانيه، وفقهوا أحكامه.
قال أبو عبد الرحمن السلمي5: حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان، وعبد الله بن مسعود، وغيرهما أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات، لم