متوجه إلى معانٍ مختلفة إلى واحد منها، بما ظهر من الأدلة.
وقال الماتريدي: التفسير: القطع على أن المراد من اللفظ هذا، والشهادة على الله أنه عني بهذا اللفظ هذا؛ فإن قام دليل مقطوع به فصحيح، وإلا فهو تفسير بالرأي، وهو المنهي عنه. والتأويل: ترجيح أحد المحتملات بدون القطع والشهادة على الله] . وقال أبو طالب التغلبي: التفسير: بيان وضع اللفظ إما حقيقة أو مجازا، كتفسير الصراط بالطريق، والصيب بالمطر، والتأويل: تفسير باطن اللفظ مأخوذ من الأول، وهو الرجوع لعاقبة الأمر، فالتأويل إخبار عن حقيقة المراد، والتفسير، إخبار عن دليل المراد؛ لأن اللفظ يكشف عن المراد، والكاشف دليل، مثاله قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَاد} تفسيره: أنه من الرصد، يقال: رصدته إذا رقبته، والمرصاد: مفعال منه، وتأويله: التحذير من التهاون بأمر الله، والغفلة عن الأهبة والاستعداد للعرض عليه: [وقواطع الأدلة تقتضي بيان المراد منه على خلاف وضع اللفظ في اللغة] .
وقال بعض العلماء: التفسير: يتعلق بالرواية، أي التفسير بالمأثور، والتأويل: يتعلق بالدراية؛ أي التفسير بالرأي والاجتهاد1.
ومهما يكن من شيء فقد شاع واشتهر أن التفسير أعم من أن يكون بالمأثور، أو بالرأي والاجتهاد، وأعم من أن يكون متعلقا باللفظ أو بالمعنى، وقد أصبح في ذلك حقيقة عرفية، وهذا ما سأسير عليه في هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.
الحاجة إلى علم التفسير:
علم تفسير القرآن من العلوم المهمة التي يجب على الأمة تعلمها وقد أوجب الله على الأمة حفظ القرآن، وكذلك أوجب عليهم فهمه وتدبر معانيه، قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} 2، وقال: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} 3، وقال: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} 4، فقد دلت الآية الثانية على أنه أنزل للتدبر، وحثت الآيتان الأخريان على تدبره، وتدبر القرآن بدون فهم معانيه غير ممكن، وفهم معانيه إنما يكون بمعرفة تفسيره، فتفسير القرآن فرض على الأمة، ولكنه فرض كفائي بمعنى: إذا قام