تحذير من يروي الموضوع المكذوب:
وقد حكم كثير من علماء الحديث وأئمته على من روى حديثا موضوعا من غير تنبيه إلى وضعه وتحذير الناس منه بالتعزير والتأديب، قال أبو العباس السراج: شهدت محمد بن إسماعيل البخاري، ودفع إليه كتاب من ابن كرام يسأله عن أحاديث، منها حديث الزهري عن سالم عن أبيه1 مرفوعا: "الإيمان لا يزيد ولا ينقص" فكتب محمد بن إسماعيل على ظهر كتابه: "من حدث بهذا استوجب الضرب الشديد، والحبس الطويل".
بل بالغ بعضهم، فأحل دمه، قال يحيى بن معين -وهو من كبار أئمة الجرح والتعديل- لما ذكر له حديث سويد الأنباري: "من عشق، وعف، وكتم، ثم مات مات شهيدا.
قال: هو حلال الدم2!!
وقد سئل الإمام ابن حجر الهيثمي عن خطيب يرقى المنبر كل جمعة، ويروي أحاديث، ولم يبين مخرجيها ودرجتها فقال: ما ذكره من الأحاديث في خطبه من غير أن يبين رواتها، أو من ذكرها فجائز، بشرط أن يكون من أهل المعرفة بالحديث، أو ينقلها من مؤلفٍ صاحبُه كذلك.
وأما الاعتماد في رواية الأحاديث على مجرد رؤيتها في كتاب ليس مؤلفه من أهل الحديث، أو في خطب ليس مؤلفها كذلك، فلا يحل؛ ومن فعل عزر عليه التعزير الشديد، وهذا حال أكثر الخطباء؛ فإنهم بمجرد رؤيتهم خطبة فيها أحاديث حفظوها، وخطبوا بها من غير أن يعرفوا أن لتلك الأحاديث أصلا أم لا، فيجب على حكام كل بلد أن يزجروا خطباءها عن ذلك.