لِلْعِلْمِ، أَوْ قَالَ: وِعَاءُ الْعِلْمِ، وَعِنْدَ سَلْمَانَ علم لا يدرك، وما أظلت خضراء ولا أقلت الغبراء من ذي لهجة أصدق مِنْ أَبِي ذَرٍّ. قَالَ أبو عمر رضي الله تعالى عنه: فضل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ جماعة من أصحابه بفضائل خص كل واحد منهم بفضيلة وسمه بها، وذكره فيها، ولم يأت عنه عليه السلام أنه فضل منهم واحدًا على صاحبه بعينه من وجه يصح، ولكنه ذكر من فضائلهم ما يستدل به على مواضعهم ومنازلهم من الفضل والدين والعلم، وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أحلم وأكرم معاشرة، وأعلم بمحاسن الأخلاق من أن يواجه فاضلا منهم بأن غيره أفضل منه، فيجد من ذلك في نفسه بل فضّل السابقين منهم وأهل الاختصاص به على من لم ينل منازلهم فقال لهم: لو أنفق أحدكم مثل أحد ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلا نَصِيفَهُ.

وهذا من معنى قول الله تعالى [1] : «لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ، أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ الله الْحُسْنى» 57: 10. ومحال أن يستوي من قاتله رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مع من قاتل عنه. وقال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لبعض من لم يشهد بدرًا- وقد رآه يمشي بين يدي أبي بكر- تمشي بين يدي من هو خير منك؟ وهذا لأنه قد كان أعلمنا ذلك في الجملة لمن شهد بدرًا والحديبية. ولكل طبقة منهم منزلة معروفة وحال موصوفة، وسنذكر في باب كل واحد منهم ما بلغنا من ذلك إن شاء الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015