لما توفّي يحيى بن إِبْرَاهِيم الكدالي عزم عبد الله بن ياسين على تَقْدِيم رجل يقوم بِأَمْر المرابطين فِي حربهم وجهادهم لعدوهم
وَكَانَت قَبيلَة لمتونة من بَين قبائل صنهاجة أَكثر طَاعَة لله تَعَالَى ودينا وصلاحا فَكَانَ عبد الله بن ياسين يكرمهم ويقدمهم على غَيرهم وَذَلِكَ لما أَرَادَهُ الله تَعَالَى من ظُهُور أَمرهم وتملكهم على الْخلق فَجمع عبد الله بن ياسين رُؤُوس الْقَبَائِل من صنهاجة وَولى عَلَيْهِم يحيى بن عمر اللمتوني وَعبد الله بن ياسين هُوَ الْأَمِير على الْحَقِيقَة لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَأْمر وَينْهى وَيُعْطِي وَيمْنَع وَعَن رَأْيه يصدرون فَكَانَ يحيى بن عمر يتَوَلَّى النّظر فِي أَمر الْحَرْب وَعبد الله بن ياسين ينظر فِي أَمر الدّين وَأَحْكَام الشَّرْع وَيَأْخُذ الزكوات والأعشار
وَكَانَ يحيى شَدِيد الانقياد لعبد الله بن ياسين وَاقِفًا عِنْد أمره وَنَهْيه فَمن حسن طَاعَته لَهُ أَنه قَالَ لَهُ يَوْمًا قد وَجب عَلَيْك أدب قَالَ يحيى فيماذا يَا سَيِّدي قَالَ لَا أعرفك بِهِ حَتَّى آخذه مِنْك فكشف لَهُ يحيى عَن بَشرته فَضَربهُ عشْرين سَوْطًا ثمَّ قَالَ لَهُ إِنَّمَا ضربتك لِأَنَّك باشرت الْقِتَال واصطليت بِنَار الْحَرْب بِنَفْسِك وَذَلِكَ خطأ مِنْك فَإِن الْأَمِير لَا يُقَاتل وَإِنَّمَا يقف ويحرض النَّاس وَيُقَوِّي نُفُوسهم فَإِن حَيَاة الْجند بحياة أميره وهلاكه بهلاكه
واستقام الْأَمر ليحيى بن عمر وَملك جَمِيع بِلَاد الصَّحرَاء وغزا بِلَاد السودَان فَفتح كثيرا مِنْهَا وَكَانَ من أهل الزّهْد وَالدّين وَالصَّلَاح