يتلثمون وَلَا يكشفون وُجُوههم أصلا
قَالَ ابْن خلكان اللثام سنة لَهُم يتوارثونها خلفا عَن سلف وَسبب ذَلِك على مَا قيل إِن حمير كَانَت تتلثم لشدَّة الْحر وَالْبرد تَفْعَلهُ الْخَواص مِنْهُم فَكثر ذَلِك حَتَّى صَار تَفْعَلهُ عامتهم وَقيل كَانَ سَببه أَن قوما من أعدائهم كَانُوا يقصدون غفلتهم إِذا غَابُوا عَن بُيُوتهم فيطرقون الْحَيّ فَيَأْخُذُونَ المَال والحريم فَأَشَارَ عَلَيْهِم بعض مشايخهم أَن يبعثوا النِّسَاء فِي زِيّ الرِّجَال إِلَى نَاحيَة ويقعدوا هم فِي الْبيُوت مُتَلَثِّمِينَ فِي زِيّ النِّسَاء فَإِذا أَتَاهُم الْعَدو وظنوهم نسَاء خَرجُوا عَلَيْهِم فَفَعَلُوا ذَلِك وثاروا عَلَيْهِم بِالسُّيُوفِ فَقَتَلُوهُمْ فلزموا اللثام تبركا بِهِ بِمَا حصل لَهُم من الظفر بالعدو
وَقَالَ عز الدّين ابْن الْأَثِير فِي كَامِله مَا مِثَاله وَقيل إِن سَبَب تلثمهم أَن طَائِفَة من لمتونة خَرجُوا مغيرين على عَدو لَهُم فخالفهم الْعَدو إِلَى بُيُوتهم وَلم يكن بهَا إِلَّا الْمَشَايِخ وَالصبيان وَالنِّسَاء فَلَمَّا تحقق الْمَشَايِخ أَنه الْعَدو أمروا النِّسَاء أَن يلبسن ثِيَاب الرجل ويتلثمن ويضيقنه حَتَّى لَا يعرفن ويلبسن السِّلَاح ففعلن ذَلِك وَتقدم الْمَشَايِخ وَالصبيان أمامهن واستدار النِّسَاء بِالْبُيُوتِ فَلَمَّا أشرف الْعَدو رأى جمعا عَظِيما فَظَنهُ رجَالًا وَقَالُوا هَؤُلَاءِ عِنْد حريمهم يُقَاتلُون عَنْهُن قتال الْمَوْت والرأي أَن نسوق النعم ونمضي فَإِن اتبعونا قاتلناهم خَارِجا عَن حريمهم فَبَيْنَمَا هم فِي جمع النعم من المراعي إِذْ أقبل رجال إِلَى الْحَيّ فَبَقيَ الْعَدو بَينهم وَبَين النِّسَاء فَقتلُوا من الْعَدو خلقا كثيرا وَكَانَ من قتل النِّسَاء أَكثر فَمن ذَلِك الْوَقْت جعلُوا اللثام سنة يلازمونه فَلَا يعرف الشَّيْخ من الشَّاب وَلَا يزيلونه لَيْلًا وَلَا نَهَارا
وَفِي ذَلِك يَقُول أَبُو مُحَمَّد بن حَامِد الْكَاتِب
(قوم لَهُم شرف الْعلَا من حمير ... وَإِذا انتموا صنهاجة فهم هم)
(لما حووا أحراز كل فَضِيلَة ... غلب الْحيَاء عَلَيْهِم فتلثموا)
وَقَالَ ابْن خلدون كَانَ دين صنهاجة أهل اللثام الْمَجُوسِيَّة شَأْن برابرة