فَكَانَ كل فريق يَسْتَوْفِي نصف الدَّاخِل حَتَّى تمّ الْعَمَل وَفِي صَبِيحَة يَوْم الِاثْنَيْنِ ثَانِي ربيع الثَّانِي من السّنة الْمَذْكُورَة توفّي الشَّيْخ الْمنور الذاكر الخاشع أَبُو عبد الله مُحَمَّد الْهَاشِمِي الطَّالِبِيُّ من صلحاء أهل سلا وَكَانَت وَفَاته فَجْأَة تعشى تِلْكَ اللَّيْلَة عشَاء خَفِيفا على عَادَته وَصلى الْعشَاء وتلا أوراده مُنْفَردا فِي بَيته كَمَا كَانَ يفعل ثمَّ أصبح مَيتا من غير أَن يحضرهُ أحد وَكَانَ قد ناهز الثَّمَانِينَ وشاخ وابيضت لحيته وَرَأسه وَحضر جنَازَته الجم الْغَفِير من أهل العدوتين سلا والرباط وازدحموا على نعشه وتناوبوه تبركا بِهِ وَصلى عَلَيْهِ بِالْمَسْجِدِ الْأَعْظَم من سلا عقب صَلَاة الظّهْر وَدفن بِالْبَيْتِ القبلي من دَاره وَتردد الطّلبَة إِلَى قَبره مُدَّة لقِرَاءَة الْقُرْآن والبردة وَغَيرهَا من الأمداح وَعظم مصاب النَّاس بِمَوْتِهِ وَكَيف لَا وَقد كَانَ مِصْبَاح العدوتين بل وَغَيرهمَا فِي زَمَانه مَعَ مَا اكرمه الله تَعَالَى بِهِ من التَّوَاضُع وَحسن الْخلق ولين الْجَانِب مَعَ النَّاس بِحَيْثُ لم يعْهَد ذَلِك وَلم يرو إِلَّا عَن السّلف الصَّالح وَمن سلك سبيلهم من أمثالهم رَضِي الله عَنْهُم وَكَانَ مَجْلِسه مجْلِس علم وحياء وَوعظ وَذكر للأولياء وَالصَّالِحِينَ وسيرهم وأخبارهم لَا يسمع فِي مَجْلِسه لَغْو وَلَا خوض فِي دنيا إِنَّمَا هُوَ سرد الْأَحَادِيث وأخبار الصَّالِحين وَنَحْو ذَلِك محافظا على الصَّلَوَات وَقيام اللَّيْل والأذكار وبذل الْمَعْرُوف وَالْأَمر بِهِ مَا أمكن وَبِالْجُمْلَةِ فقد كَانَ فِي سيرته وأخلاقه على مُقْتَضى السّنة النَّبَوِيَّة وآثار السّلف الصَّالح رَضِي الله عَنْهُم ونفعنا بمحبتهم ومحبة أمثالهم آمين وَبعد غرُوب الشَّمْس من لَيْلَة الْجُمُعَة فاتح ذِي الْحجَّة من السّنة الْمَذْكُورَة توفّي الْفَقِيه الْعَلامَة البارع أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن الْمدنِي كنون عَالم فاس وَالْمغْرب وَصلى عَلَيْهِ عقب صَلَاة الْجُمُعَة بِجَامِع الأندلس من فاس حرسها الله وَدفن بالموضع الْمَعْرُوف بالقباب وَكَانَ رَحمَه الله فَقِيها عَالما متضلعا قولا بِالْحَقِّ صادعا بِهِ لَا يهاب فِي ذَلِك كَبِيرا وَلَا صَغِيرا وَلَقَد امتحن فِي ذَلِك من قبل السُّلْطَان فَلم يفل ذَلِك من غربه وَلم يوه من صرامته وَلَا حَده وَله عدَّة تآليف من أحْسنهَا اخْتِصَار حَاشِيَة الرهوني على مُخْتَصر الشَّيْخ خَلِيل جدد الله عَلَيْهِ الرحمات آمين

طور بواسطة نورين ميديا © 2015