ورضاه كالجنيد ونحوه؛ يقولون بالفرق الثاني، والذين لا يثبتون إلا المشيئة العامة لا يقولون بالفرق الثاني، وآخرون يترددون فتارة يشهدون المشيئة العامة فقط ولا يقولون بالفرق، وتارة يثبتون محبة الله ورضاه فيقولون بالفرق الثاني، والقول بهذا الفرق لا ينافي الجمع العام، فإن مشيئة الله متناولة لكل شيء؛ وما وجد شيء محبوب ومكروه فالمشيئة متناولة له، فلهذا صار منهم من يقول: إن هذا الفرق عين من عيون الجمع، وأن أحدًا لا يخرج من الجمع الذي هو المشيئة العامة؛ فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وإنما يرى الخروج من هذا المعتزلة ونحوهم من المكذبين بالقدر، القائلين إنه يكون في ملكه ما لا يشاء، وأنه لا يقدر على هدي ضال ولا ضلال مهتدٍ ونحو ذلك، وهؤلاء ضلوا في مسألة القدر كما ضلت بها المعتزلة، [فالمعتزلة] (?) كذبوا بالقدر رعاية للأمر والنهي، وهؤلاء أبطلوا الأمر والنهي رعاية (?) للقدر.
وهؤلاء يحتجون بقصة آدم وموسى -عليهم السلام-، واحتجاجهم عليه بالقدر؛ هو (?) حجة داحضة، فإن الله -تعالى- عاتب إبليس وأهبط آدم من الجنة وأهلك قوم نوح وعاداً وثموداً وغيرهم، ولو كان القدر عذرًا لم يعاقب كافراً، وآدم -عليه السلام- تاب من الذنب فلو كان محتجًا بالقدر لم يتب.
وصار آخرون يتكلمون على حديث موسى -عليه السلام- بتأويلات فاسدة، كقول بعضهم إن هذا الاحتجاج كان في غير دار التكليف كما ذكره هذا الضال، فيقال لهؤلاء: الاحتجاج بالقدر لا يسوغ في دار التكليف ولا غيرها (?)، فإنه قول باطل، وقول الباطل لا يسوغ بحال، وأيضًا فموسى قد لام آدم فكيف يقع الملام في غير دار تكليف؟ [وتناظرا] (?) وتحاجَّا ودار السلام منزهة عن الحجاج والخصام، وقال بعضهم: إنه كان أباه فما كان ينبغي له لوم أبيه، وقال: بعضهم كان تائبًا والتائب لا يلام، وقال: بعضهم كان الذنب في شريعة واللوم في أخرى، وهذا كله باطل، فإن الحديث فيه أن آدم احتج بالقدر، وقال: "لم تلومني على أمر قدره الله علي قبل أن أخلق؟ فحج آدم موسى".