وسبب هذا الغلط أنهم فهموا من الحديث أن آدم جعل القدر حجة للمذنب وهو غلط قبيح على من هو دون آدم وموسى فكيف عليهما؟ وهذا آدم يقول: {رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (?) [الأعراف: 23]، وموسى يقول: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [القصص: 16]، قول: {أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ} (?) [الأعراف: 155]، وكيف يجوز أن يظن بمثل هذين النبيين الكريمين أنهما يجوِّزان هذا؛ وعوام الناس يعرفون أن هذا باطل، إلا من كان مصطلماً قد سلب حقيقة العقل، والذي يظن أن الله يسوي بين الذين آمنوا وعملوا الصالحات والمفسدين في الأرض، وبين المتقين والفجار، وبين المسلمين والمجرمين، فإن الجمع و (?) توحيد الربوبية يتناول هؤلاء كلهم، فإن لم يحصل مع ذلك فرق فالجمع بين أهل البر والتقوى (?)، ويشهد القلب [إلهية] (?) الرب التي يستحق لأجلها أن يعبد دون ما سواه وأن تطاع رسله كان مسويّاً (?) بين هؤلاء.
ولكن نكتة الحديث أن موسى لام آدم لأجل المصيبة التي لحقت الذرية من أجله، فإنه بسبب ذلك خرجوا من الجنة وصاروا في دار الشقاء، ولهذا قال: "لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة"؟ وكان لومه له لأجل المصيبة التي أصابتهم لا لمجرد الذنب من جهة حق الله، كما يقول الولد لوالده الذي أذهب ماله حتى افتقر هو وأولاده: أنت الذي أذهبت هذا المال حتى صرنا فقراء واحتجنا إلى الناس، وأنت نقلتنا إلى بلاد الغربة ونحو ذلك، فقال له آدم: هذه المصيبة كانت مكتوبة عليك مقدرة قبل أن أخلق، هي وسببها وهو الذنب، فإنه كان مكتوباً علي قبل أن أخلق بأربعين سنة (?).