فكيف يقال إنّه مأمور به فيما لا يقدر عليه الخلق؟ وهل قال أحد: إنَّ سؤال المخلوق والاستغاثة به فيما لا يقدر عليه إلا الله -تعالى- مأمور به أو مباح.
ومن هنا يظهر الوجه السّادس: قوله (والمراد به التنبيه على الرجوع إلى الله -تعالى- بالقلب لا بترك السبب، بل أن يذكر الله في ذلك السبب).
فيقال له: هذا إنّما يصح إذا كان السبب مشروعًا، فإن السبب المشروع لا ينافي التوكل، والكلام هنا في من يستغيث بالخلق فيما لا يقدر عليه إِلَّا الله، كما قيل في الجواب، فأمّا ما لا يقدر عليه إِلَّا الله فلا يجوز أن يطلب إِلَّا من الله، لا يطلب ذلك من الملائكة ولا من الأنبياء ولا من غيرهم.
ومعلوم أن سؤال الخلق (?) مثل هذا باطل شرعًا وعقلًا، فمن الذي جعل هذا من الأسباب الشرعية؟ ومن قال إنَّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - إذا لم يكن عنده شيء يعطيه فينبغي للإنسان أن يسأله ويستغيث به؟ وإذا لم يمكنه دفع العدو ينبغي للإنسان أن يسأله ويستغيث به في ذلك؟ وقد تقدمت النصوص عن النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - بأنّه كان يمدح من لا يسأله مطلقًا، ويذمّ من يسأله ما لا يحب أن يعطيه، ويذمّ من يسأله ما لا يقدر عليه.
فسؤاله والاستغاثة به (?) في ذلك أذى وعدوان عليه، يحرم فعله معه - صلى الله عليه وسلم -، أعظم ممّا يحرم أذى غيره والعدوان عليه، مع ما فيه من الشرك والجزع، وقد كان الصّحابة -رضوان الله عليهم- نُهوا أن يسألوه كما ثبت في الصحيح عن أنس -رضي الله عنه- قال: "نهينا أن نسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان يعجبنا أن يجيء الرَّجل من أهل البادية -العاقل- فيسأله ونحن نسمع" (?)، وقد قال تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة: 101]، هذا وإن كان في سؤال العلم أحيانًا، فسؤال الدنيا أولى.
وقد ذُم من كان يسأل الرسل الآيات، قال تعالى: {أَمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَى مِنْ قَبْلُ} [البقرة: 108]، وقال تعالى: {يَسْأَلُكَ