إن الحساب والجزاء والحكم في الآخرة، إنما يقوم على عمل الناس في الدنيا ولا يحاسب الناس على ما اجترحوا في الدنيا إلا أن تكون هناك شريعة من اللّه تعين لهم ما يحل وما يحرم، مما يحاسبون يوم القيامة على أساسه وتوحد الحاكمية في الدنيا والآخرة على هذا الأساس .. فأما حين يحكم الناس في الأرض بشريعة غير شريعة اللّه فعلام يحاسبون في الآخرة؟ أيحاسبون وفق شريعة الأرض البشرية التي كانوا يحكمون بها ويتحاكمون إليها؟ أم يحاسبون وفق شريعة اللّه السماوية التي لم يكونوا يحكمون بها ولا يتحاكمون إليها؟
إنه لا بد أن يستيقن الناس أن اللّه محاسبهم على أساس شريعته هو لا شريعة العباد. وأنهم إن لم ينظموا حياتهم، ويقيموا معاملاتهم - كما يقيمون شعائرهم وعباداتهم - وفق شريعة اللّه في الدنيا، فإن هذا سيكون أول ما يحاسبون عليه بين يدي اللّه. وأنهم يومئذ سيحاسبون على أنهم لم يتخذوا اللّه - سبحانه - إلها في الأرض ولكنهم اتخذوا من دونه أربابا متفرقة. وأنهم محاسبون إذن على الكفر بألوهية اللّه - أو الشرك به باتباعهم شريعته في جانب العبادات والشعائر، واتباعهم شريعة غيره في النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وفي المعاملات والارتباطات - واللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء .. " (?)
وقال تعالى: {وَقَالُوا أَئِذَا ضَلَلْنَا فِي الْأَرْضِ أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ (10) قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (11) [السجدة/10، 11]
وَقَالَ المُشْرِكُونَ باللهِ، المُكَذِّبُونَ بِالبَعْثِ والنُّشُورِ: هَلْ إِذا صَارَتْ لُحُومُنا وَعِظَامُنا تُراباً، وَتَفَرَّقَتْ في الأَرضِ، واخْتَلَطَتْ بِتُرابها فلم تَعُدْ تَتَمَّيزُ عَنْهُ، سَنُبْعَثُ مَرَّةً أُخْرى، ونُخْلَقُ خَلْقاً جَديداً؟ وَهؤلاءِ المُشْرِكُونَ يُنْكِرُونَ قُدرَةَ اللهِ عَلى الخَلْقِ، وَيَكْفُرُونَ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ في الآخِرةِ. قُلْ يَا مُحَمَّدُ لِهؤلاءِ المُشْرِكِينَ: إِنَّ مَلَكَ المَوْتِ، الذِي وُكِّلَ بِقَبْضِ أَرْوَاحِكُمْ،