- إن كل نفس من أنفاسهم بقدر وكل حركة في كيانهم خاضعة لسلطان اللّه بما أودعه في كيانهم من ناموس لا يملكون أن يخالفوه. وإن كان هذا الناموس يجري في كل مرة بقدر خاص حتى في النفس والحركة! «وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً» ..
لا يذكر النص هنا ما نوعهم .. وفي مواضع أخرى أنهم ملائكة يحصون على كل إنسان كل ما يصدر عنه .. أما هنا فالمقصود الظاهر هو إلقاء ظل الرقابة المباشرة على كل نفس. ظل الشعور بأن النفس غير منفردة لحظة واحدة، وغير متروكة لذاتها لحظة واحدة. فهناك حفيظ عليها رقيب يحصي كل حركة وكل نأمة ويحفظ ما يصدر عنها لا يند عنه شيء .. وهذا التصور كفيل بأن ينتفض له الكيان البشري وتستيقظ فيه كل خالجة وكل جارحة .. «حَتَّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ» .. الظل نفسه، في صورة أخرى .. فكل نفس معدودة الأنفاس، متروكة لأجل لا تعلمه - فهو بالنسبة لها غيب لا سبيل إلى كشفه - بينما هو مرسوم محدد في علم اللّه، لا يتقدم ولا يتأخر. وكل نفس موكل بأنفاسها وأجلها حفيظ قريب مباشر حاضر، ولا يغفو ولا يغفل ولا يهمل - فهو حفيظ من الحفظة - وهو رسول من الملائكة - فإذا جاءت اللحظة المرسومة الموعودة - والنفس غافلة مشغولة - أدى الحفيظ مهمته، وقام الرسول برسالته .. وهذا التصور كفيل كذلك بأن يرتعش له الكيان البشري وهو يحس بالقدر الغيبي يحيط به ويعرف أنه في كل لحظة قد يقبض، وفي كل نفس قد يحين الأجل المحتوم.
«ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ» .. مولاهم الحق من دون الآلهة المدعاة .. مولاهم الذي أنشأهم، والذي أطلقهم للحياة ما شاء .. في رقابته التي لا تغفل ولا تفرط .. ثم ردهم إليه عند ما شاء ليقضي فيهم بحكمه بلا معقب: «أَلا لَهُ الْحُكْمُ، وَهُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ»
فهو وحده يحكم، وهو وحده يحاسب. وهو لا يبطىء في الحكم، ولا يمهل في الجزاء .. ولذكر السرعة هنا وقعه في القلب البشري. فهو ليس متروكا ولو إلى مهلة في الحساب! وتصور المسلم للأمر على هذا النحو الذي توحي به أصول عقيدته في الحياة والموت والبعث والحساب، كفيل بأن ينزع كل تردد في إفراد اللّه سبحانه بالحكم - في هذه الأرض - في أمر العباد ..