يَقُومُ بِمَا كُلِّفَ بِهِ، وَيَقْبِضُ الأَرْوَاحَ حِينَما تَسْتَنْفِدُ الخَلاَئِقُ آجَالَها، ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى رَبَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَيُجازِي كُلَّ وَاحدٍ بِعَمَلِهِ. (?)

"الضلال في الأرض: الضّياع، والفناء في ترابها .. وذلك بما يحدث للأجساد بعد الموت من تحلل وفناء.

والحديث هنا عن المشركين، الذين ينكرون البعث، ويرون أن انحلال أجسادهم بعد الموت، وتحولهم إلى تراب من تراب الأرض، يجعل من المستحيل أن يعودوا مرة أخرى إلى ما كانوا عليه، إذ ما أبعد ما بين هذه الأجساد التي أبلاها البلى، وبين الحال التي ستصبح عليها لو صحّ أنهم سيبعثون ..

ولو أنهم نظروا إلى ما دعاهم اللّه سبحانه وتعالى إليه، من النظر في قوله تعالى: «وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ».

. وفي قوله: «ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ» ـ لوجدوا أن لا فرق بين هذا التراب الذي جاءوا منه، أو تلك النطفة التي تخلقوا منها، وبين هذا التراب الذي صارت إليه أجسادهم .. بل إن فى أجسادهم الغائبة تحت التراب، إشارات تشير إليهم، وتاريخا يحدث عنهم! إنهم ـ وهم في التراب ـ أشبه بغائب ترجى له عودة، وهم لم يكونوا من قبل شيئا! وشىء يعود إلى أصله، أقرب في التصور من توقع وجود شىء من عدم! ـ وفي قوله تعالى: «بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ» ـ إشارة إلى أن هؤلاء المشركين على ضلال في حياتهم الدنيا .. قد فتنوا بها، وأذهبوا طيباتهم فيها، وأطلقوا لهواهم العنان يذهب بهم كلّ مذهب .. وهذا ما أوقع في تفكيرهم أن لا حياة بعد الموت، وأن لا حساب ولا جزاء ... لأن ذلك يعنى أن يعملوا حسابا لهذا الحساب، وأن يتخففوا كثيرا مما هم فيه من ضلال، وأن يستبقوا من يومهم شيئا لما بعد هذا اليوم .. وإنه ليس لهم إلى ذلك من سبيل، وقد غلبتهم أهواؤهم، واستولت عليهم دنياهم .. وإذن فلا يوم بعد هذا اليوم، ولا حياة بعد هذه الحياة .. إنهم ـ والحال كذلك أشبه بالجند في ليلة الحرب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015