" يعجب اللّه - سبحانه - من أمر هؤلاء الناس الذين كانوا يتدافعون حماسة إلى القتال ويستعجلونه وهم في مكة، يتلقون الأذى والاضطهاد والفتنة من المشركين. حين لم يكن مأذونا لهم في القتال للحكمة التي يريدها اللّه. فلما أن جاء الوقت المناسب الذي قدره اللّه وتهيأت الظروف المناسبة وكتب عليهم القتال - في سبيل اللّه - إذا فريق منهم شديد الجزع، شديد الفزع، حتى ليخشى الناس الذين أمروا بقتالهم - وهم ناس من البشر - كخشية اللّه القهار الجبار، الذي لا يعذب عذابه أحد، ولا يوثق وثاقه أحد .. «أو أشد خشية»!!
وإذا هم يقولون - في حسرة وخوف وجزع - «رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ؟» .. وهو سؤال غريب من مؤمن. وهو دلالة على عدم وضوح تصوره لتكاليف هذا الدين ولوظيفة هذا الدين أيضا .. ويتبعون ذلك التساؤل، بأمنية حسيرة مسكينة! «لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ!» وأمهلتنا بعض الوقت، قبل ملاقاة هذا التكليف الثقيل المخيف! إن أشد الناس حماسة واندفاعا وتهورا، قد يكونون هم أشد الناس جزعا وانهيارا وهزيمة عند ما يجد الجد، وتقع الواقعة .. بل إن هذه قد تكون القاعدة! ذلك أن الاندفاع والتهور والحماسة الفائقة غالبا ما تكون منبعثة عن عدم التقدير لحقيقة التكاليف. لا عن شجاعة واحتمال وإصرار. كما أنها قد تكون منبعثة عن قلة الاحتمال. قلة احتمال الضيق والأذى والهزيمة فتدفعهم قلة الاحتمال، إلى طلب الحركة والدفع والانتصار بأي شكل. دون تقدير لتكاليف الحركة والدفع والانتصار .. حتى إذا ووجهوا بهذه التكاليف كانت أثقل مما قدروا، وأشق مما تصوروا. فكانوا أول الصف جزعا ونكولا وانهيارا .. على حين يثبت أولئك الذين كانوا يمسكون أنفسهم، ويحتملون الضيق والأذى بعض الوقت ويعدون للأمر عدته، ويعرفون حقيقة تكاليف الحركة، ومدى احتمال النفوس لهذه التكاليف. فيصبرون ويتمهلون ويعدون للأمر عدته ..
والمتهورون المندفعون المستحمسون يحسبونهم إذ ذاك ضعافا، ولا يعجبهم تمهلهم ووزنهم للأمور! وفي المعركة يتبين أي الفريقين أكثر احتمالا وأي الفريقين أبعد نظرا كذلك! وأغلب الظن أن هذا الفريق الذي تعنيه هذه الآيات كان من ذلك الصنف، الذي يلذعه