أولا: أما ابن تيمية فإنه يعكس في تراثه كله العقلية المنهجية بوضوح كامل رغم تشدده مع خصومه من الفلاسفة وعلماء الكلام والصوفية، ولقد هاجم هذا المفكر الفلسفة الأرسطية المتمثلة في تراث الفارابي وابن سينا كما هاجم الغزالي والرازي في كثير من كتبه، لكنه كان يعتمد في موقفه من هؤلاء وأولئك على الاستقراء الكامل لرأي مخالفيه في المشاكل الفلسفية المتعددة فيجمع العناصر الفرعية لآرائهم كل على حدة، ثم يربط بينها ويستنتج منها الحلول والأحكام التي يصدرها على هؤلاء، وهذا المنهج الذي طبقه ابن تيمية قد هداه إلى اكتشاف أوجه النقص في المنهج اليوناني في منطق أرسطو بالذات، ووضع لكشف أخطاء المنطق الأرسطي كتابين هما "نقض المنطق، والرد على المنطقيين"، وكشف ابن تيمية في هذين الكتابين عن قواعد منهجية كبرى وجدناها مطبقة لدى مفكري أوروبا في القرن السابع عشر، فمثلا نقض ابن تيمية الفكرة التي سادت في أوربا عصورا طويلة وهي القائلة بأن منطق أرسطو هو الأداة أو المنهج العلمي الذي يجب تحصيله كشرط ضروري لكسب المعرفة في مختلف فروع الدراسة، ويقول ابن تيمية: "إن الحاذقين في العلوم الطبيعية والطبية لم يستعينوا بالمنطق وأبو الطب أبقراط له كلام مقبول من جميع الأطباء، وقد وجدنا مصدق قوله بالتجارب، ومع ذلك لم يستعن بشيء من هذه الصناعة "المنطق".